«مذكرات بحار» استعراض غنائي مبهر في حلته... مميز ببنائه الدرامي

مركز جابر يعيد إنتاج الأوبريت بعد 40 عاماً برؤية جديدة وأصوات شابة

نشر في 26-04-2019
آخر تحديث 26-04-2019 | 00:16
بدأت مساء أمس الأول العروض الرسمية للمسرحية الغنائية «مذكرات بحار» مسك ختام الموسم الثقافي لمركز جابر الأحمد على المسرح الوطني.
دشّن مركز جابر الأحمد الثقافي العروض الرسمية للمسرحية الغنائية الاستعراضية "مذكرات بحار"، مساء أمس الأول، على المسرح الوطني وسط حضور جماهيري حاشد توافد لمتابعة ختام الموسم الثقافي للمركز، الذي جاء مبهراً في حلته دقيقاً في تفاصيله مميزاً في بنائه الدرامي وتكوينه البصري متناسقاً بين مختلف أبعاده.

فبعد 40 عاماً على إنتاج الأوبريت يعيد مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي عرض "مذكرات بحار" ملحمة الشاعر الراحل محمد الفايز والموسيقار الكبير غنام الديكان، بمشاركة من الفنان القدير شادي الخليج، ورؤية درامية مختلفة صاغها الروائي الشاب سعود السنعوسي، مستلهمة من قصص وشخوص الماضي، ومزودة بنصوص من ديوان "مذكرات بحار" للشاعر محمد الفايز بينما تصدى للإخراج تاما ماثيسون وقاد أوركسترا مركز جابر محمد باقر.

فريق العمل

"مذكرات بحار" من كلمات محمد الفايز وألحان غنام الديكان وبطولة زهرة الخرجي، وخالد العجيري، وبدر نوري، وولاء الصراف، وخليفة العميري، وحنين العلي، وزينة الصفار، وشهد سلمان، ومساعد التتان، والإعلامية القديرة فيحاء السعيد في الإلقاء، ومن إخراج تاما ماثيسون، ومن تأليف سعود السنعوسي وإنتاج طلال المهنا، ومخرج مصمم ليو وارنر، ومصمم الرقصات يانيس أدونيو، ومديرة الإنتاج المبتكر رهام السامرائي، ومدير الموسيقى أحمد الصالحي، وقائد الفرقة الموسيقية محمد باقر، ومصممة الفنون الشعبية معصومة البلوشي، ومصممة الأزياء رجاء البدر، ومدير إدارة الإنتاج خالد السيد عمر.

توافد جماهيري

وفي تمام السابعة والنصف من مساء أمس الأول، بدأ توافد الجمهور على مركز جابر، وكان كل شيء ينبئ بأمسية مختلفة ومميزة، بدءاً من مجسم أحد المنازل القديمة، الذي يقبع خارج المسرح ويتيح الفرصة أمام الحضور لالتقاط صور تذكارية قبل الدخول، مروراً بالكتيب الذي جاء ثرياً بالمعلومات عن العرض وصناعه وأبطاله ويتضمن نبذة عن نجوم تلك الملحمة قديماً لاسيما الفنان القدير شادي الخليج والموسيقار غنام الديكان والشاعر محمد الفايز والفنانة سناء الخراز والمخرج محمد السنعوسي، وصولاً إلى معلومات عن رحلة الغوص والمغاصات والسفن.

وأضف إلى ذلك مختارات من القصيدة والأغاني مثل "أركبت مثلي البوم؟"

و"أمسكت مفلقة المحار؟ "وغيرها، هذا الجهد الكبير المبذول في الكتيب كان مقدمة موطئة للمشاهد محفزة إياه على المتابعة عن وعي بأهمية العمل الذي تخطى في حدوده فكرة الترفيه إلى تأصيل تراث وتأريخ أحداثه ملهمة من ذاكرة الأجداد تؤكد أهمية العمل والجد والاجتهاد وتعريف القاصي والداني بمعاناة أهل البحر وصبرهم وإعلائهم لقيمة العمل.

وفي تمام الثامنة والنصف رفع الستار عن المسرحية... مجسم ضخم لبوم كويتي قديم يحتل المساحة الداخلية للمسرح ينفصل إلى جزأين عند اللزوم، يستغله المخرج من خلال تقنية الهولوغرام لتغيير المشاهد ونتابع من خلال حكاية عبدالعزيز الفتى الذي يأبى أن يظل حبيس الشاطئ ويطمح لأن يلحق بعمه في البحر، نتابع كيف يحرك المخرج المجاميع بدقة وتناغم وكيف ينتقل بنا من مشهد إلى آخر بإيقاع سريع وبحدث مميز يربط بين الأغنيات بسلاسة، بينما تحمل أزياء الممثلين عبق الماضي زاد ذلك ألقاً أداؤهم ومفرداتهم خلال الحوار.

ولا يغفل الوجدان خلال العرض عن أحاديث أهل الكويت قديماً، وقد تميزت النجمة زهرة الخرجي في تجسيد شخصية موضي، والدة بطل العمل عبدالعزيز رغم أنها المرة الأولى التي تتصدى فيها زهرة لتجسد دور من التراث بعد 30 عاماً من مسيرتها الفنية، لكنها وظفت خبرة هذه السنوات في هذا العمل واستطاعت أن تكون ربان الممثلين على المسرح.

أركبت مثلي البوم؟
أركبت مثلي البوم والسنبوك والشوعي الكبير؟

أرفعت أشرعة امام الريح في الليل الشرير؟

هل ذقت زادي في المساء على حصير؟

من نخلة ماتت، وما مات العذاب بقلبي الدامي الكسير

في القاع والرماي خلفك كالخفير

يترصد الغواص... هل ذقت العذاب؟

مثلي وصارعت العباب؟

خلية نحل

من النقاط المضيئة أيضاً الجمع بين التمثيل والغناء لشباب معظمهم يواجهون الجمهور للمرة الأولى كممثلين، والمستوى الذي ظهروا به يؤكد أن وراء "مذكرات بحار" خلية نحل وعمل متواصل وجهود كبيرة، وعلى صعيد الغناء فإن اختيار الأصوات كان موفقاً جداً سواء بدر نوري الذي جسد أيضاً شخصية "يوسف"، وولاء الصراف "أمينة زوجة يوسف"، وخليفة العميري"عبدالعزيز" الذي تحرك برشاقة وذكاء على المسرح وأدى بتمكن، أما على صعيد البناء الدرامي وفق السنعوسي في حبكة حكاية شائقة في تفاصيلها، سريعة في إيقاعها، تنقل بنا بذكاء موظفاً المفردة القديمة والقصص المستوحاة من التراث عن الجن الذي يسكن البحر وما إلى ذلك من أساطير.

بينما جاءت إطلالة الفنان القدير شادي الخليج في المشهد الختامي منشداً "ننشد الهول" مؤكداً فكرة تواصل الأجيال عندما يعتلي فنان كبير المسرح إلى جانب أصوات شابة ليشد من أزرهم ويعزز من ثقتهم في أنفسهم ويضرب مثلا يقتدى في العطاء وإنكار الذات.

يصعد بنا استعراض "مذكرات بحار" على ظهر سفينة شراعية من سفن الكويت القديمة لنبحر من مرفئنا إلى ماضٍ سمعنا عنه من حكايا أجدادنا، ماض عن الحب والوجع والأمل، حب البحر والوجع من أهواله والأمل في عطاياه، ننزل عن ظهر السفينة ونلتقي عبدالعزيز ووالدته الخالة موضي وابنة خالته الموعود بها دانة وعمه النوخذة يوسف وزوجة عمه أمينة وابنتهما لولوة، يروون لنا جميعاً في لوحات استعراضية فانتازية تمزج بين الغناء والشعر والمفردات العتيقة حكاية السندباد الذي أبى أن يبقى حبيس "السيف" وقرر أن يتمرد على خوف والدته من أن يسلبها البحر إياه بعدما حرمها من زوجها.

فقدان الأحباب

يطوف بنا عبدالعزيز في حياته بشخوصها فنمتلئ بشغفه بالبحر ونستشعر خوف والدته من فقدانه في الأمواج المتلاطمة ونتحرى اليوم الذي يجتمع فيه بدانته التي يحب وتكبر فينا الآمال معهم ونخاف أيضاً من فقدانهم أحبابهم وتبقى آمالنا معلقة مع أبطال الحكاية معقودة على جبين القدر ونتساءل هل من لقاء قريب بين الأحبة أم سيفرق البحر شملهم ويشتت أرواحهم؟

يعود بنا المخرج إلى ظهر السفينة ونصارع الموج مع عبدالعزيز في ظلمات الليل ثم ننتقل مرة أخرى إلى قلب المدينة ونستعيذ مع أمه موضي من الفقد ولسان حالها يردد "دعهم يعودوا سالمين" ونستعيد حنين دانة في "الليالي المقمرات " فهل يعود المحمل ونوخذته وبحارته إلى شاطئ المدينة أم يسلبهم البحر أحد الأحبة؟

تأتي الإجابة سريعاً،

فعبد العزيز الذي يرى في المنام والده وقد عاد إلى الحياة ويوجهه بضرورة العودة للسيف للقاء دانته هناك في المدينة، يتعرض الشاب إلى فاجعة رحيل عمه "يوسف" ويعود إلى الوطن ليجد على الشاطئ الزوجات والبنات والشقيقات... الجميع في انتظار عودتهم لكن خبر رحيل النوخذة ينزل عليهم كالصاعقة وقد ترك خلفه زوجة وابنتين.

الليالي المقمرات
أحلى ليالينا الليالي المقمرات

حيث النجوم الغارقات

في البحر ترسم عالما نشوان من نور وماء

يجتثنا ويطير فينا في الفضاء

غنيت أمسي لمن أحب

وهمت في ليل البحار

لأعود ثانية لها يا سيدي

ومعي الهدايا للصغار

شادي الخليج يختتم العرض بأغنية «ننشد الهول» مؤكداً فكرة تواصل الأجيال

الجمع بين الغناء والتمثيل أحد أهم النقاط المضيئة في العمل لشباب يواجه الجمهور للمرة الأولى

زهرة الخرجي وظفت خبرة 30 عاماً من مسيرتها في شخصية «موضي»
back to top