الديمقراطية والحجة الانتحارية

نشر في 15-03-2019
آخر تحديث 15-03-2019 | 00:06
 بدر سعد الشريدة الديمقراطية كنظام لإدارة المجتمعات أصبحت غالباً نظاماً عالمياً أوحد في عصرنا، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان، وينتسب إليها حتى من لا ينتمي إليها من الأنظمة الدكتاتورية التي لا تؤمن إلا بحكم الفرد، كالدول التي تتعامل مع شعبها بالقمع والإقصاء التام كالدول الاشتراكية مثلا المعروفة بالدكتاتورية، فهي تدعي أنها تحكم بالأغلبية وأنها التطبيق الصحيح للديمقراطية والحكم باسم الأغلبية.

وتقدم الديمقراطية من المؤمنين بها والمنظرين لها على أنها الحل لمشاكل الشعوب، وهي المنهجية السليمة للمجتمعات البشرية لتحقيق الرخاء والسعادة للبشرية، ومنذ تقديم مايكلز هجومه على الديمقراطية بأنها مجرد ترسيخ للدكتاتورية من خلال وصول صفوة أوليجاركية لمناطق صنع القرار، وضرب الصفوة سورا حديديا حول نفسها لا يسمح لأحد من خارج هذه الصفوة بالانتماء إليها للسيطرة على المجتمعات، لم يبق الآن إلا الصوت الوحيد في العالم المنادي بمخالفة الديمقراطية ونسفها في زماننا، وهم المسلمون الذين يقدمون الإسلام بمصادر تشريعاته التي تبنى على الكتاب والسنة والإجماع والقياس... إلخ، من مصادر التشريع الإسلامية كحل مثالي لتحقيق الرخاء والأمن والسعادة للمجتمعات البشرية، وهذا هدف معلن وواضح لدى مفكري المسلمين وعلمائهم ونسبة كبيرة من عامة الشعوب المسلمة.

فالبشرية وصلت إلى الإفلاس الفكري فيما يختص بتقديم نظام بديل للنظام الديمقراطي يعدل عيوب ومواطن الفشل الفادحة في النظام الديمقراطي، وهنا أناقش فرضية منطقية تتعلق بالديمقراطية، وهي أن الديمقراطية تصنف تحت الحجج الانتحارية أو ما يعرف بذاتي الدحض، أي أنه أمر يحمل نقض ذاته وفناءها من داخلها وفي أصولها، وهذا الحكم العقلي ينفي أن يكون هذا النظام قابلا للتطبيق من أساسه في العالم عامةً، ولدينا في المجتمعات الإسلامية بشكل خاص.

ولتبيين ذلك باختصار نوضح مصدر تقنين وتشريع الأحكام في النظام الديمقراطي، فالتشريعات مصدرها رأي الأغلبية، وهنا نتقدم بتساؤلات لهذا النظام وللمؤمنين به: ماذا لو تبنت الأغلبية النظام الدكتاتوري وإلغاء الديمقراطية؟ هنا سنجد أن الديمقراطية أفنت نفسها بنفسها.

وهناك تساؤل لمن هم في المجتمعات الإسلامية: ماذا لو تبنت الأغلبية إلغاء وحظر القرآن ومنع دخوله للكويت كمثال؟ ما موقفهم؟ هل سيتبنون هذا الموقف؟ وهل سيخضعون لمبادئ ومسلّمات نظامهم الذي يؤمنون به ويقاتلون لأجله؟ فإن فعلوا مسوا أصول الدين والإسلام، وإن لم يفعلوا خالفوا مبادئهم ووقعوا في مخالفة صريحة لما ينادون به.

بالمقابل ماذا لو أقرت الأغلبية تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع نواحي الحياة حتى في القانون الجنائي؟ فإن أقروا تطبيق الشريعة الإسلامية حكموا بفناء نظامهم وأصبح مصدر التشريع النصوص الشرعية لا الأغلبية كما ينادون.

ومن هنا يتبين لنا أن الديمقراطية تحمل في ذاتها بذرة فنائها تنظيريا وحجتها الانتحارية ذاتية الدحض، ومن البدهيات أن الحجج الانتحارية لا يقام بها برهان ولا يصدق معها دعوى، ويظهر هنا تناقض معتنقيها مع ما يطرحونه، وأنه نظام لا يمكن أن يكون ناجحا أمام هذه القضايا والفرضيات المطروحة، وهنا يتم تقرير ما يقابل الديمقراطية وهو الصوت الأوحد في العالم الآن المقابل للديمقراطية، وهو تطبيق الشريعة الإسلامية في مجتمعاتنا بما تحمله من مصادر إلهية ثابتة للتشريع.

back to top