سدانيات: زندقة فارسية!

نشر في 15-03-2019
آخر تحديث 15-03-2019 | 00:08
 محمد السداني على طاولة أحد المطاعم كنّا نتناقش حول مواضيع مختلفة حتى سألت عن معنى كلمة "زندقة"، فبدأت أستعيد ذاكرتي البسيطة التي تعبت وهي تفتش عن معنى مباشر وواضح وصريح عن مفهوم الزندقة، فلم تسعفني الذاكرة، وبدأت أبحث في "العم غوغل" فوجدت تضاربا في تعريف المفهوم، والحقيقة أن التعريف ليس مهما لهذه الدرجة، بل إنَّ الصدمة هي في تحول المفهوم من المعنى الحقيقي والمراد إلى مفهوم مغاير لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة.

إن كلمة زندقة هي كلمة مشتقة من الفارسية "زنده كي" أي محب الحياة، ولَك أن تصدم كما صدمت بين اختلاف المعنيين في العربية والفارسية، وما يصاحبهما من اختلاف جذري في المعنى.

إن الشاهد في هذا الموقف ليس التعمق في معاني العربية والفارسية في كلمات منتشرة هنا وهناك، بل إن الحقيقة تكمن في الكثير من المصطلحات التي نتداولها فيما بيننا لننعت بعضنا بها، متجاهلين حقيقتها التاريخية ومعناها الصحيح.

إننا في هذه الأيام لو فتشنا جيداً بين الناس لوجدنا أغلب الناس "زنادقة"، ولكن بالمفهوم الفارسي، فمن منا لا يحب الحياة ومن منا لا يحب أن يتمتع بكل تفاصيلها، وفي الوقت نفسه سنجد من ينعتنا بالمصطلح العربي؛ لأننا فقط نحب الحياة ولأننا نملك رؤيتنا الخاصة في فهمها وتحليلها، كم من محب للحياة راح ضحية عملية فهم خطأ! وكم من محب للحياة قُتل وعُذب ونُفي وسُجن لأن جلاده لا يعرف في الحياة شيئا إلا موانعها وقيودها وظلامها!

في الحقيقة نحن نحتاج هذه الأيام أن نكون "زنده گي" أكثر من أي وقت مضى، لقد عشنا فترات طويلة نتصارع ونتقاتل بسبب قضايا تاريخية ومصالح فانية وأحلام فردية ولم نعشق هذه الحياة التي تتسع الجميع، هذه الحياة التي نحتاج أن نعشقها قبل أن نعشق الآخرة، إننا مع تاريخ مليء بالدماء والحروب والاقتتال بين "زنادقة" مزيفين، يجب علينا أن نعي حقيقة الحياة وجوهرها قبل أن نبدأ رحلة البناء للآخرة، فالله سبحانه وتعالى خلقنا في مكان هيّأه لنا كي نعيش فيه، وأن نحقق مفهوم العيش الذي يقوم على الحب والتعاون والإخاء، ولا يقوم على القتل والحرب والدمار والتشكيك بالآخر وإقصائه من كل دوائر الحياة.

لقد وُلدنا في مجتمعات تعشق التصنيف، فقد تحولنا من طرفي المؤمنين والزنادقة قديماً إلى أطراف عدة تتنازع في فهمها وحبها للحياة، فهذا سلفي والآخر ليبرالي والثاني إخواني والرابع علماني، والحقيقة أن التصنيفين لم يتغيرا في شيء سوى أننا نحاول أن تكون لنا الأثرة في الحياة دون غيرنا من "الزنادگه" الآخرين.

وأدعو الله أن نكون "زنادگه" ولكن بمعناها الفارسي لا العربي الذي حطّم كل شيء جميل في هذه الحياة، وشوه جمالها ورونقها وأقصى أطرافها، في ظل تراجع دولنا العربية الخالية من "زنده گي" أو محبي الحياة، نحتاج أن نعزز هذا المفهوم شعارا للحياة، وأن ننطلق منه إلى بناء حياة حقيقية تسع الجميع بمختلف آرائهم.

خارج النص:

• في "تويتر" وجدت نواحا على حملة ركاز التي استخدمت خاتم النبي- صلى الله عليه وسلم- شعاراً لها؛ لأنَّ النائحين "المثقفين" اعتبروا أن هذه الحملة تروج لعودة "داعش"، لأن "داعش" استخدم هذا التصميم علماً له! ولو اتخذنا هذه القاعدة أساسا في حياتنا لما استطعنا أن نصمم شعاراً واحداً.

back to top