انهيار «تجربة إسلامية» أخرى!

نشر في 14-03-2019
آخر تحديث 14-03-2019 | 00:10
 خليل علي حيدر من سنين طويلة، والجماعات الإسلامية، وتجاربها في الصعود السياسي أو إقامة الدول تتعرض للانتكاسات والفشل، ويدخل سجون العالم العربي والإسلامي وغيره آلاف الشباب لسنوات طويلة، ويتعرضون في حالات كثيرة لأقسى أنواع التعذيب والحرمان دون جدوى!

وحتى لو نجحت هذه الدولة أو التجربة الإسلامية مؤقتاً، كما حدث في إيران وأفغانستان ومصر والسودان وربما غيرها، فإنها لا تثبت ولا تزدهر ولا تتفوق، بل سرعان ما تتزعزع أو تتراجع أو تتغير طبيعة دولتها، أو تعجز اقتصادياً وسياسيا عن الوفاء بوعودها!

ولو كان أيٌّ منا في مكان الإسلاميين السياسيين أو الجهاديين المتشددين، لسأل نفسه بعد كل هذه الانتكاسات في مصر والعراق وسورية وغيرها: لماذا لا يُكتب لنا النصر على أعدائنا؟ ولماذا نتعرض في أغلب الأحوال للاعتقال أو القتل أو الفشل السياسي والاقتصادي، رغم أننا نمثل "الإسلام الصحيح" وندافع عنه ونسعى إلى إقامة دولته؟ ولماذا ينتصر أعداؤنا وخصومنا من "جند الباطل" ورجال "الأنظمة الجاهلية" علينا؟

ولماذا فشل الإخوان في مصر زمن الملكية وفي عهد الرؤساء جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك والسيسي؟ ولماذا لم يوفق الإخوان بعد صبر وجهاد ورباط دام أكثر من ثمانين عاماً في البقاء على هرم السلطة عام 2013؟ ولماذا اندحر الإخوان في سورية زمن الرئيس حافظ الأسد وابنه بشار الأسد؟ ولماذا نجحت الحكومة الجزائرية في عزل الإسلام السياسي وتصفية الجماعات الجهادية الإرهابية التي أقامت "حفلات" قطع الرؤوس في أرياف الجزائر خلال شهر رمضان، وحاربت النظام الجزائري بشراسة، وقتلت ما قتلت من جند النظام و"الكفار" من عامة رجال الجزائر ونسائها وأطفالها؟

ولماذا انتصرت الاستخبارات الأميركية على "القاعدة" في أفغانستان، ونجحت في التخلص من بن لادن بطريقة متقنة بالغة التعقيد في باكستان وبشكل باهر؟! وقد يتساءل الكثير من العرب والمسلمين وغيرهم: لماذا تصيب "طائرات الدرون"، التي يتم التحكم فيها عن بعد، ربما من تكساس أو غيرها، وتتجول في السماء بلا طيار عابرة البحار والفيافي والقفار، وتصيب بدقة مدهشة كبرى، زعامات وقيادات التنظيمات الإسلامية الجهادية في اليمن وليبيا وأفغانستان والصومال وكل مكان، المرة بعد المرة، ولا نرى شيئاً من "المعجزات" التي تحدث عنها د. عبدالله عزام في كتابه "آيات الرحمن في جهاد الأفغان" الذي خدع جيلا كاملاً؟!

وقد يتساءل كل مفكر: لماذا تزدهر البنوك والشركات الإسلامية في الدول الخليجية وأوروبا وغيرها، وتتدهور اقتصادات "الأنظمة الإسلامية"؟ ولماذا كان "التومان"، عملة إيران، قوياً في عهد الشاه، وكان الدولار يساوي سبعة تومانات، في حين يساوي الدولار اليوم ما يملأ المحفظة من الأوراق النقدية الإيرانية أو الجنية السوداني؟

ولماذا لم يكتب النصر للإخوان في مصر ولم يُمكّنوا بعد نجاحهم بما لا يسمح باقتلاعهم؟ ولماذا كان أداؤهم بائساً فاشلاً إلى ذلك الحد؟ ولماذا لم يفدهم في شيء امتدادهم في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وتركيا وكل ما تحت سيطرتهم هناك من مال وجمعيات وشخصيات، والبلدان الخليجية التي أغدق الكثيرون فيها المال على الإخوان، بلا حسيب أو رقيب؟ ولماذا لم يكتب النصر لحزب التحرير في الأردن وسورية وتونس وآسيا الوسطى، أو للجماعة الإسلامية في باكستان، أو القاعدة و"داعش" في أي مكان، رغم امتلاك هؤلاء السلاح والوقت والمال والجند والجرأة والتضحية والاستشهاديين؟ لماذا يربح الإسلاميون المعتدلون والإرهابيون أحياناً المعركة... ولا يكسبون الحرب؟

لماذا يتحول "النظام الإسلامي" و"الحزب الإسلامي" فور تمكنه من الحكم والسيطرة إلى نظام متسلط؟ ولماذا يتدهور الاقتصاد وتتراجع العملة وتنعزل الدولة عن العالم، وتقوى الاستخبارات ويغلب على الناس الخوف والصمت واللامبالاة؟

ولماذا استمر حكم الرئيس الحالي ونظامه الإسلامي السوداني، الذي هندسه وبناه كبير الإسلاميين ومفكرهم د. حسن الترابي، ودام نحو ثلاثين سنة منذ 1989، ولم يصبح السودان "كوريا الجنوبية الإفريقية الإسلامية" ولا أصبحت إيران "كوريا الجنوبية في الشرق الأوسط"، ولا تحول السودان إلى "سلة خبز العرب والمسلمين"، لا في زمن الرئيس "جعفر النميري" الذي أيده وحياه وباركه كبار الإخوان في مصر، ولا في عصر "البشير" الذي يريد البقاء في سدة الحكم إلى الأبد؟!

ولماذا لم تتسع الحريات كما وعدت الثورة الإيرانية أنصارها عام 1979، ولا أصبحت الكهرباء والمياه مجانية، ولا غدت مهور الإيرانيات على حساب الدولة، ولا تم توزيع الشقق على الناس بالمجان، كما بشرت التصريحات الثورية آنذاك، ورمى الإيرانيون أنفسهم تحت الدبابات؟

لماذا بدأت تركيا وقيادتها تلك الانطلاقة الناجحة قبل سنوات ثم انتكست فيها الحريات والحقوق، وعمت البلاد بعد "انقلاب" 2016، موجات الاعتقال المهينة وامتلأت سجون البلاد بغير سبب معقول ووسط صمت إسلامي مشين مريب، بعشرات آلاف الموظفين المدنيين والقضاة والمدرسين والكتاب والإعلاميين والجنود والضباط في إجراءات تعسفية هي الأولى من نوعها في تركيا والعالم، بتهمة مناصرة مفكر إسلامي، في نظام يقوده حزب إسلامي (!!) من كبار مؤسسي التيار الإسلامي التركي وهو "فتح الله غولن" المقيم خارج تركيا، والذي لا يمكن أن يكون بهذه الخطورة على الدولة أو مصالح الحزب الحاكم؟! لماذا تزدهر دول "الشعوب المسيحية" وتتقدم "الشعوب البوذية والكونفوشية والهندوسية"، ولا تحصد شعوب العالم الإسلامي المجاور لها، سوى الكوارث والإرهاب ومغامرات الأحزاب الإسلامية وسفاكي الدماء في منظماتها؟ وقد يتساءل المسلم خارج هذه الأحزاب الإسلامية كذلك من أين أتت "القاعدة" و"داعش" بفكرهما؟ ولماذا أتيحت لعناصرهما هذه الفرص في كل أوروبا والعالم للتلاعب بمصير الإسلام والمسلمين، وسط تدفق الشباب الإسلاميين المتعلمين، العرب وغير العرب، من الأطباء والمهندسين والاختصاصيين، من تربى في وسط محترم حميم ومن لفظته الحانات والحارات، من الرجال والنساء، للانضمام إلى التنظيم "والهجرة" مع زوجاتهم المسلمات العربيات، والأوروبيات، والأولاد، إلى "رباط الجهاد"، في "الحسكة" و"دير الزور" في سورية واستمرار "الهجرة" حتى بعد أن هدم العراقيون في عملية عسكرية فذة أنفاقهم وجحورهم على رؤوسهم في الموصل، فمات من مات، وضاعت آثار من اختفوا، وبذلك زالت عاصمة "دولة الخلافة"، وهي التي كان ينبغي أن تبقى خالدة أو باقية إلى قرون؟! فلماذا ضاعت وهُدمت؟

ولقد شهد تاريخ العالم الإسلامي سقوط الكثير من الدول وتفكيك الأسر الحاكمة وزوال الخلفاء والسلاطين، منذ عهود الأمويين والعباسيين والفاطميين والطولونيين وحتى العثمانيين. ولكن لم يسجل التاريخ الإسلامي كارثة في القيام ومأساة مروعة في السقوط كدولة الخلافة الإسلامية التي أقامها "داعش" وارتكب كل هذه الجرائم البشعة والمجازر من أجلها ولا تزال، في العالمين العربي والإسلامي وكل مكان. ثم تنتهي "الدولة" والخلافة في بلاد الشام والعراق، بالقصف الدولي والهجوم البري المتعدد البنادق والرايات، وسط اختفاء الخليفة وأمراء الجهاد والولاة ورجال الحسبة، وانكشاف النساء والأطفال والشيوخ والجرحى، وتتبرأ منهم كل الدول، وترفضهم الدول بأجمعها، في حالة لم تعرفها المنطقة منذ قرون!

ألا ينبغي لكل عقلاء العرب والمسلمين أن يفكروا بكل هذا وغيره، وأن تكف هذه الشعوب عن الجري خلف هذه الشعارات المضللة الساذجة؟

ولكن مرة أخرى، يتساءل الكثيرون: لماذا لم ينتصر هؤلاء الإسلاميون بالقوة، ولا وفقوا بوسائل غيرها؟

ثمة مقالات أخرى!

back to top