ما قل ودل: على هامش التعديلات الدستورية في مصر (1-3)

نشر في 10-03-2019
آخر تحديث 10-03-2019 | 00:10
مصر حادت عن النظام البرلماني إلى نظام الحكم الرئاسي منذ ثورة 23 يوليو سنة 1952، لتشديد قبضة الثورة على الحكم بعد إلغاء الأحزاب في يناير سنة 1954، حيث كان النظام البرلماني يقوم على أساس التعددية السياسية.
 المستشار شفيق إمام إلا الدستور

في مقال تحت عنوان "إلا الدستور" كتبته على صفحات "الجريدة" في عددها الصادر في 17/ 9/ 2007، تصديت فيه لفكرة تعديل الدستور الكويتي، بالرغم من انقضاء أكثر من نصف قرن على تطبيقه، لأن الأصل في الدساتير الثبات لمدد طويلة، تختبر فيها وتطبق تطبيقا صحيحا، لأنها تضع القواعد العامة والأصول الثابتة في نظام الحكم، والفصل بين السلطات والحدود الضابطة لنشاط كل سلطة، وتقرر الحقوق والحريات العامة وترتب الضمانات الأساسية لحمايتها في ظل القوانين الأساسية التي تسنها السلطة التشريعية، لتضع فيها التفريعات والتفاصيل، للمبادئ الكلية الثابتة في الدستور، وأخصها اللوائح الداخلية للمجالس التشريعية.

ولهذا توصف الدساتير في فرنسا بحقبة من الحكم الذي عدل فيه الدستور، فيقال دستور الجمهورية الخامسة في فرنسا، لأن تعديلا دستوريا، يقيم توزانا جديدا بين السلطات، تم إقراره وفقا لما كشف عنه التطبيق من حاجة ضرورية إلى تعديل الدستور، لمزيد من الضمانات الدستورية لمسيرة الحكم أو للتعاون بين السلطات.

وكان أول بروز لمبدأ الفصل بين السلطات في إنكلترا في دستور كرومويل لحماية السلطة التنفيذية من استبداد البرلمان.

نظام الحكم الرئاسي كاف بذاته

والواقع أن مصر قد حادت عن النظام البرلماني إلى نظام الحكم الرئاسي منذ ثورة 23 يوليو سنة 1952، لتشديد قبضة الثورة على الحكم بعد إلغاء الأحزاب في يناير سنة 1954، حيث كان النظام البرلماني يقوم على أساس التعددية السياسية.

وظل النظام الرئاسي مطبقا في مصر في دساتير هذه الثورة الصادرة في أعوام 56 و58 و1964، تم في دستور 1971 الذي كان أفضل دساتير مصر قاطبة حتى الآن في الضمانات التي قررها لبناء الدولة القانونية، وقد أقر في استهلال حقبة الرئيس الراحل أنور السادات.

الذي كان بحكم تاريخه السياسي النضالي الثوري منذ أن كان ضابطا في الجيش أكثر قربا من أقرانه في مجلس قيادة الثورة إلى نظام الحكم البرلماني الذي كان سائدا في ظل دستور 1923 قبل الثورة، والذي كان متاحا فيه التعددية السياسية.

وظل نظام الحكم رئاسياً، وكانت قبضة الرئيس على شؤون الحكم مبسوطة، والكل يعمل وفقا لتوجيهات الرئيس حتى البرلمان يعمل وفقا لتوجيهات سيادته، منذ ثورة 23 يوليو حتى الآن.

فهو السيد المطاع من كل أجهزة الدولة، ويوصف نظام الحكم بالرئاسي في أميركا نسبة إلى رئيس الجمهورية لأنه الأهم في المعادلة السياسية في هذا النظام.

لهذا لم لكن ثمة حاجة إلى تعديلات دستورية تقيم توازنا ما بين السلطات في ظل الحكم الرئاسي الذي تبناه الدستور الحالي، فلم تكن هناك عقبة ما تحول بين الرئيس وتحقيق إنجازاته وأهدافه في التنمية وتشجيع الاستثمار، وفي التصدي للإرهاب، من خلال القوانين التي يقرها مجلس النواب، والتي تحوز أغلبية ساحقة في هذا المجلس.

مدة الرئاسة وتداول السلطة

من المقرر أن تداول السلطة هو جوهر النظام الديمقراطي، سواء كان نظاما برلمانيا أو كان نظاما رئاسياً، ولعل الكثيرين لا يعلمون أن المانع من تجديد انتخاب الرئيس الأميركي لمدة ثالثة ليس مقرراً في الدستور الأميركي بل هو ما جرى عليه العرف التزاما بجوهر النظام الديمقراطي وهو تداول السلطة.

وكان تحديد مدة الرئاسة في مصر في دستور 1971 بفترتين متتاليتين، بناء على طلب الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ولم يعدل الدستور لإتاحة الفرصة للرئيس للترشيح لفترات متتالية إلا في مايو 1980 عندما أوشكت ولايته الثانية على نهايتها، وكان الرئيس يخشى من خرق إسرائيل لاتفاقية كامب ديفيد بعد انتهاء ولايته في سدة الحكم، فقد كان محدداً للجلاء الكامل لإسرائيل عن سيناء أبريل سنة 1981، وقد أوشكت مدة رئاسته الثانية على نهايتها، ولم يكن ينوي الترشح مرة أخرى كما صرح بذلك.

إلا أنه لم يتولّ سدة الحكم لفترة ثالثة وفقا للتعديل الدستوري سالف الذكر لأن يداً آثمة اغتالته في السادس من أكتوبر سنة 1980، وهو بين جيشه المنتصر في الاحتفال بذكرى انتصاره، ففقدت مصر بوفاته زعيما مناضلا وسياسياً محنكا ورجل دولة قل أن يوجد من رجال الدولة مثله، ليخلفه في الحكم الرئيس محمد حسني مبارك، الذي استفاد وحده من هذا التعديل، ليستمر في الحكم ثلاثين عاما لأن تداول السلطة كان مستحيلاً في مصر أمام هشاشة نظام الأحزاب في مصر، ولهذا قامت ثورة 25 يناير.

تداول السلطة والمراهقة الديمقراطية

وكان بعض أعضاء لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم– قبل ثورة 25 يناير- يرى أن تداول السلطة في مصر هو نوع من المراهقة الديمقراطية، فقد كتب في هذا السياق د. عبدالمنعم السعيد في صحيفة "الأهرام" في عددها الصادر في 29/ 8/ 2005، مقالاً تحت عنوان "اختيار الرئيس" تعجب فيه من الكتابات المطولة لرفض انتخاب الرئيس حسني مبارك، لأنها تخلو من الحديث عن فضائل غيره من باقة المرشحين لانتخابات الرئاسة، وأن أفضل اجتهاداتهم هو تعريف ما يرفضون لا تعريف ما يفضلون، واعتبر ذلك نوعاً من المراهقة الديمقراطية، عندما يكون السير في طريق النضال الديمقراطي، أوله مقاطعة للمسيرة، وآخره تعريف الديمقراطية في مصر بأنها النظام السياسي الذي يخلو من الرئيس مبارك.

ويطرح د. عبدالمنعم سؤالاً بسيطاً وساذجاً، ولكن في الوقت ذاته هو مكمن الخطر في اختيار الرئيس، ذلك السؤال هو: هل يوجد من بين المرشحين الآخرين من داخل الحلبة أو خارجها ممن يمكن القول إن له من الإنجازات التاريخية أو غير التاريخية ما يطاول إنجازات مبارك، بحيث يكون التقييم بين جميع المرشحين والمحاسبة واحداً، وليس تفضيل معيار واحد لشخصية سياسية واحدة في حين ترفع عن الآخرين أي محاولة للوضع على محك التقييم والتقدير؟

وحتى لا يتكرر هذا السؤال مرة أخرى إذا لم يقيد انتخاب رئيس الجمهورية بمدتين، فقد كان نصب أعين اللجان التي وضعت التعديلات الدستورية لدستور 1971 ودستور 2013 ودستور 2014، بعد ثورة 25 يناير هو وضع ضمانة أساسية لتداول السلطة هو عدم تجاوز انتخاب رئيس الجمهورية مدتين متتاليتين.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

دستور 1971 كان أفضل دساتير مصر قاطبة حتى الآن في الضمانات التي قررها لبناء الدولة القانونية

مصر فقدت بوفاة السادات زعيماً مناضلاً وسياسياً محنكاً ورجل دولة قل أن يوجد من رجال الدولة مثله
back to top