هل تتحول الهند إلى باكستان هندوسية؟

نشر في 16-01-2019
آخر تحديث 16-01-2019 | 00:00
 بلومبرغ • تُعتبر الهند منذ استقلالها عام 1947 دولة ديمقراطية علمانية ليبرالية، فقد رفض الجيل الأول من قادتها بصرامة قبول طرح مؤسس باكستان محمد علي جناح عن أن الهندوس والمسلمين في شبه القارة يمثلون أمتين مختلفتين. وفي حين تحولت باكستان إلى دولة إسلامية أصرت الهند على أنها دولة لمواطنيها مهما كان انتماؤهم الديني، ورغم كل التبدلات التي شهدتها الهند خلال العقود السبعين الماضية ظل هذا الواقع راسخاً.

لكن هذا الوضع تبدل أخيراً، فللمرة الأولى يسعى قادة الهند إلى إعادة تعريف هذا البلد بفاعلية كوطن للآسيويين الجنوبيين من غير المسلمين، ويعملون على ترسيخ هذا التمييز بواسطة القانون، فقد كانت هذه الرسالة الضمنية التي حملها مشروع قانون مررته أخيراً الغرفة الدنيا في البرلمان الهندي، التي يتمتع فيها حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهندوسي الوطني بهاراتيا جاناتا بالأكثرية.

يعدّل القانون الجديد قانون الجنسية، الذي ما كان يولي مطلقاً أي اهتمام للدين حين سُن في السنوات الأولى بعد استقلال الهند. هدف التعديل "تسهيل منح الجنسية لست مجموعات من الأقليات قادمة من أفغانستان، وباكستان، وبنغلاديش، وهي الهندوسية، والسيخية، والجاينية، والبوذية، والمسيحية، والبارسية". وأعلن وزير الحكومة، الذي قدّم هذا التعديل، بعدما وصف هذه المجموعات بـ"المهاجرين المضطهدين": "لا مكان لهم يقصدونه غير الهند".

لكن الحكومة الهندية لا تعمل من منطلق إنساني بحت، ففي الوقت الراهن تنتمي معظم الأقليات المضطهدة على الحدود الهندية إلى الروهينغيا الذين هربوا من ميانمار، وبما أنهم من المسلمين فهم غير مرحّب بهم كما يبدو، شأنهم في ذلك شأن الشيعة والأحمديين الذين يشكلون محور أعمال العنف اليومية في باكستان، فضلاً عن المدونيين الملحدين في بنغلادش الذين يتعرضون للتهديد من متطرفين يحملون سكاكين كبيرة، وكما ذكر أحد المعلقين، من الممكن تلخيص التعديل بجملة واحدة: "لا نستقبل المسلمين، فهذه الهند".

لا عجب في أن تؤدي السياسات الانتخابية والتاريخ المعقد لولايات الهند الشرقية دوراً في هذه المسألة، فقد شهدت ولاية آسام في الماضي اضطرابات عنيفة وُجّهت حسبما يُفترض ضد المهاجرين القادمين من دولة بنغلادش المجاورة، إلا أنها استهدفت في الواقع كل مَن انتموا إلى الإثنية البنغالية، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو الوطني.

حدد اتفاقٌ عمره عقود التاريخ الذي أصبحت فيه الهجرة عبر الحدود غير مشروعة بعام 1971، وهو العام ذاته الذي حصلت فيه بنغلادش على استقلالها من باكستان، وتطالب الحكومة الناس اليوم بأن يُثبتوا أنهم هم أو أهلهم قدِموا قبل هذه السنة، إلا أن هذه عملية عقيمة، إذا نُفذت حتى نهايتها المنطقية، ستفرض على الهند إقامة مخيمات مؤقتة لمئات الآلاف أو ربما الملايين، وتأمل الحكومة من خلال قواعد الجنسية الجديدة أن تضمن ألا يعلق أي إنسان غير مسلم في عملية التخلص من "الأجاتب" هذه.

استشاط قوميو آسام الفرعيون غضباً: لا يريدون استقبال أي أجانب، حتى لو كانوا من الهندوس، إلا أن الحكومة ستواجه معركة إعادة انتخاب صعبة في مرحلة لاحقة من هذه السنة، ويبدو أن بعض استراتيجيي حزب بهاراتيا جاناتا على الأقل يأملون أن يشكّل الشعور المناهض للمسلمين وسيلة تقسيم في الهند، وخصوصاً في ولاية البنغال الغربية المجاورة.

أشك أنا شخصياً في نجاح هذه الخطوة، فعلى غرار آسام، تشكل البنغال الغربية أحد تلك الأجزاء من الهند حيث كان للإثنية تقليدياً أهمية أكبر من الدين، ولكن في شمال الهند وغربها المنقسمين دينياً، قد يساعد هذا القانون حزب بهاراتيا جاناتا في حشد بضعة ملايين إضافية من الناخبين.

ولكن هل تشكّل بضعة ملايين من الناخبين ثمناً كافياً لدفع الهند إلى خسارة جدال عمره سبعة عقود والإقرار بأن "نظرية جناح عن الأمتين" كانت صحيحة؟ وهل يستحق الفوز في الانتخابات من جعل المئة والسبعين مليون مسلم في الهند يشعرون أنهم غير مرحب بهم في بلدهم؟

أعتقد أن المسألة بالنسبة إلى حزب بهاراتيا جاناتا لا ترتبط بالأصوات فحسب، بل تركز خصوصاً على تبديل ما مثلته الهند طوال سبعين سنة. لهذا السبب أثار هذا الحزب مراراً ذكرى التقسيم عند مناقشة القانون الجديد، كذلك سمى زعيم الحزب الأكثر شعبية في آسام ملسمي هذه الولاية بـ"الجناحيين".

عبّر مودي نفسه عن هذا الأمر بكل صراحة فأعلن أن القانون الجديد يشكّل وسيلة للتكفير عن أخطاء زمن التقسيم. بخلاف تاريخ الهند الرسمي لا يعتبر كثيرون في حزب بهاراتيا جاناتا أن تقسيم شبه الجزيرة في عام 1947 خطأ استراتيجي. أخبر مودي صحافياً مسلماً في عام 2012: "تسعدون أنتم كثيراً بهذه الفكرة لأنكم تعتقدون أنه بدمج الهند، وباكستان، وبنغلادش سيضم البلد الكثير من المسلمين". وفي الهند ما زال بإماكن الخلافات حول تاريخ عمره عقود تحديد مصير انتخابات، لكن هذا البلد ظل متماسكاً ومستقراً عموماً لأن الليبرالية العلمانية غير الواضحة، التي وحدت معظم الجيل المؤسس للهند، كانت مصونة بحكم القانون، ولكن إذا تخلت الهند عن هذه المبادئ اليوم، فلا شك أنها ستصبح مكاناً أكثر سوداوية وخطورة.

* ميهير شارما

*"بلومبرغ أوبينيون"

back to top