عندما يغيب الصقر

نشر في 13-01-2019
آخر تحديث 13-01-2019 | 00:05
 د. خالد عبداللطيف رمضان في أواخر أيام عام 1978، ودّعت الكويت ابناً باراً من أبنائها، في حادث سير بدولة الإمارات، حيث كان يعمل على خدمة المسرح، بعدما حفر اسمه في تاريخ المسرح الكويتي مخرجاً مبدعاً ذاع صيته في أنحاء الوطن العربي، وأصبح محطة رئيسة في مسيرة المسرح الكويتي، مع جيل الرواد حمد الرجيب ومحمد النشمي وزكي طليمات.

من يستطيع منا أن يؤرخ للحركة المسرحية في الكويت من دون أن يتوقف ملياً عند صقر الرشود؟!

عرفت صقر الرشود قبل أن ألتقيه بشكل مباشر، عرفته مذيعاً في التلفزيون، وتتبعت أخباره مخرجاً مسرحياً متميزاً، ومن حسن حظي أنا ومن معي من أبناء جيلي من عشاق المسرح أننا شاهدنا إبداعاته في {ضاع الديك} و{شياطين ليلة الجمعة» و{بحمدون المحطة} و{1 2 3 4 بم} و{متاعب صيف} و{هدامة} و{علي جناح التبريزي وتابعه قفة} و{حفلة على الخازوق} و{عريس لبنت السلطان}... شاهدناه كيف يوظف تراثنا الشعبي من دون إقحام، وكيف يستخدم اللغة العربية في مسرحياته بسلاسة ويسر. عرفناه مخرجاً مجرباً في {متاعب صيف} و{شياطين ليلة الجمعة» وغيرها، من دون ادعاء وجعجعة. ختم عمله في المسرح الكويتي بمسرحية {عريس لبنت السلطان}، وغادرنا إلى دولة الإمارات؛ كي يكمل رسالته المسرحية هناك.

شاهدته أول مرة على الطبيعة في بداية السبعينيات من القرن الماضي، حيث كنا مدرسين في مدرسة العديلية الغربية المشتركة للبنين، وفي فترة الاستراحة نخرج إلى مطعم صغير خلف المدرسة نشتري منه السندويشات، وصادفت صقراً هناك مع زملائه في الجامعة يشترون مثلنا إفطارهم. كان يدرس وقتها في كلية التجارة والعلوم السياسية بالعديلية، وبعد انتقالي إلى إدارة النشاط المدرسي بوزارة التربية عام 1974 زاملته، حيث عين بالإدارة مستشاراً للشؤون الفنية، وكان يجلس في مكتبه وحيداً يتأمل، وأحياناً يختلط بنا ويتبادل الأحاديث، ولكن بشكل نادر. وأتيحت لي الفرصة للقائه بعدما غادر الكويت إلى دولة الإمارات، كي يعمل فيها خبيراً للمسرح، أثناء زياراته القصيرة للكويت، وكان اللقاء يتم في مقر فرقة مسرح الخليج بالقادسية، أو في مكتب مؤسسة الجزيرة للإنتاج الفني، التي كان يملكها مع زميل دربه عبدالعزيز السريع، وكان لي مع المؤسسة تعامل فني في مجال البرامج والدراما الإذاعية.

ذات يوم من عام 1978، طلب إليّ أخي عبدالعزيز السريع نقل أشرطة مسلسل شعراء من الخليج، الذي كتبته للمؤسسة، إلى أبوظبي، وهناك استقبلني صقر وسلمته أشرطة المسلسل، ثم زرته في مكتبه في وزارة الإعلام، وكان يعمل معه في ذلك الوقت الأخ مهدي الصايغ ومجموعة من المسرحيين العرب.

وفي إحدى زياراته للكويت، قبل وفاته، التقيته في مكتب الجزيرة، وفوجئت بأنه قد قرأ نص مسرحيتي «للصبر حدود}، وكانت من فصل واحد، وكنت قدمتها لعبدالعزيز السريع. ما زلت لا أنسى تلك الأمسية، وكيف كان يتحدث عن النص بالتفاصيل الدقيقة، ويبدي ملاحظاته بشغف وتدفق، وأنا في حالة ذهول مما أسمع. ونتيجة لكلامه المشجع أخذت بملاحظاته وراجعت النص ليصبح على شكل لوحات، وعرضتها فرقة مسرح الخليج في بداية عام 1980.

وربما لولا هذا اللقاء، الذي استمعت فيه إلى إشادة صقر وفرحه بالنص، لما واصلت الكتابة، ولما تشجعت على الإقدام على تجربتي مع خشبة المسرح.

ثم جاء اللقاء الأخير في نهاية عام 1978، وكان الوداع بجنازة مهيبة حضرها حشد من الشخصيات المعروفة والأدباء والمثقفين والفنانين والمحبين، ليسدل الستار على حقبة مهمة من تاريخنا المسرحي.

back to top