ماركس والدمية

نشر في 08-01-2019
آخر تحديث 08-01-2019 | 00:05
 ناصر الظفيري "ماركس والدمية" هو عنوان رواية مريم مجيدي، ومن يتوقع أن يجد علاقة بين عنوان الرواية والنص الذي يقرأه سيصاب بالخديعة التي أصبت بها. مريم مجيدي كاتبة إيرانية هاجرت طفلة إلى فرنسا في الوقت الذي بدأت السلطة الدينية تشكل وتعيد تشكيل الحياة السياسية والاجتماعية في إيران. واسم ماركس يغري بأن الرواية ستقدم لنا الوجه الآخر للثورة الإيرانية، ولكن ذلك لم يحدث وما حدث هو تقديم المضاد للثورة بأعمال شبابية في البحث عن حرية عابثة وماجنة بعيدا عن الوجه الفكري والسياسي لما هو نقيض الفكر السياسي الذي كانت له السيطرة.

"لقد سرقوا ثورتنا"... فما هي تلك الثورة التي سرقوها وما هي أدبياتها؟ هذا المتوقع أن تقدمه الرواية، لكنها تمر بمحاذاته دون أن تلتفت إليه.

أما الخدعة الثانية فجاءت على غلاف الرواية، وفوزها بجائزة الغونكور للرواية الأولى 2017. خصوصا حين تغيب في زحام الكلمات كلمة "الأولى". الرواية هي تشجيع لما تقدمه النصوص الشرقية في تضخيم الحياة الغربية مقارنة بالحياة الشرقية. دون أن نجد مساحة للتساؤل: أليست باريس الذي هاجرت إليها مريم مجيدي وأسرتها حين جاء الخميني للسلطة هي ذات باريس التي غادرها الخميني متجها لاستلام السلطة في طهران. لا أكاد أجزم بأن فوزها لهذا السبب، فلم اطلع على النصوص المنافسة، لكني أخشى أن يكون هذا السبب، فالرواية فنيا جاءت خليطا من الأجناس الأدبية واختلت سرديّا في مواضع كثيرة.

اعتمدت الكاتبة على سيرة ذاتية تناولت فيها رحلتها طفلة من طهران إلى باريس للالتحاق بوالدها الذي هاجر مسبقا. ولكن تلك الهجرة أضاعت هويتها بين كونها باريسية أو إيرانية، وكان صراعها بين لغتين هو صراع هويتها. فهي تعشق حياتها في طهران، وتعشق ثقافتها الغذائية، ولكنها لا تجد سببا يغريها في تعلم الفارسية كلغة أم. هذا الصراع الذي انتصرت فيه حين نضجت وكرست عملها في اللغتين لتقبل أنها فرنسية من أصول إيرانية وتعشق موطنها الأم الذي هجرته للمرة الثانية في الكبر تحت إلحاح الأسرة.

تنوع السرد معتمدا على ما يسمى التشظي "Fragments" تقدم من خلاله قصصا ماضوية تحت عنوان "كان يا ما كان"، أو صورا فوتوغرافية لشخوص التقطتهم من الحياة العامة. تلك الصور كانت محاولة لتقديم الحياة التي تود عليها طهران وليس الحياة التي اضطرت الناس لعيشها. ما يعيب تلك الصور أنها كانت بلا حياة روائية، لا نبض روائي ولا شخوصا تعبر عن نفسها. صور رسمت على حائط النص لا تنبض بأي حياة.

تعددت الأجناس فكان لشعر الخيام، الذي اضطر المترجم إلى العودة لرباعيات أحمد رامي واعتماد ترجمته، دور في إغراء رجل عابر كمحاولة للتعبير عن حرية مفقودة في مدينة بعيدة عنها الآن، وزج أسماء شعراء الفارسية دون دور حقيقي في السرد.

كل ما تم تقديمه كحياة بديلة للحياة الحالية هو فعل لا يمكن تصديقه، وحرية ناقصة لأنها حرية القشور. لا يمكن أن يكون بديل الثورة المخدرات والحشيش وحياة الصخب الليلي تحت جنح الظلام. ولهذا غاب ماركس عن الرواية ولم نجد له الدور الذي عليه أن يقوم به، لم تستطع الروائية حتى تقديم أسباب ثورة والدها ولا محتوى المناشير التي يحتفظ بها. لم تقدم لنا أسباب سجن أعمامها وهروب والدها. ربما غياب الروائية نصف عمرها عن طهران أضاع علينا فرصة أن نقرأ، روائيا، ذلك الصراع الثقافي بين اتجاهين لن يلتقيا أبدا.

back to top