هل سيجعل حصار كيرتش بوتين عظيماً مجدداً؟

نشر في 05-12-2018
آخر تحديث 05-12-2018 | 00:00
مناورات السياسة الخارجية لبوتين التي أصبحت تثير الشكوك بشكل متزايد قد أدت إلى نتائج سلبية، ومن الصعب للعديد من الروس أن يروا قادتهم وهم يخصصون موارد كبيرة لسورية على الرغم من وجود تحديات ملحة في الوطن، وإن رؤية قارب روسي يصطدم بقارب أوكراني لا تعتبر بديلا عن الفرص الاقتصادية.
 بروجيكت سنديكيت لقد شاهد ملايين الناس فيديو سفينة خفر السواحل الروسية وهي تصطدم بقارب السحب الأوكراني في مضيق كيرتش، وبالنسبة إلى بعض الروس فإن مما لا شك فيه أن استعراض القوة هذا قد أثار مشاعر الفخر مما أسعد الرئيس فلاديمير بوتين، ولكنه بالنسبة إلى العديد من الناس فإن تلك الصور أثارت مشاعر الخوف من احتمالية نشوب حرب شاملة في أوكرانيا، وإن معظم الآباء والأمهات الروس مثل غيرهم في جميع أنحاء العالم يفضلون إرسال أبنائهم الذين يبلغون من العمر 18 عاما للدراسة عوضا عن ساحات القتال.

إن الطرح بأن الروس يتعرضون للهجوم قد هيمن على دعاية الكرملين، حيث يصور بوتين نفسه على أنه قائد قلعة محاصرة– عسكريا واقتصاديا وحتى في مجال الرياضة العالمية– من قبل الغرب العدائي، وإن هذه الدعاية التي بدأت تتضخم فعليا منذ سنة 2012 بعد أن فاز بوتين بفترة رئاسته الثالثة قد وصلت إلى ذروتها سنة 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم.

إن هذه الدعاية لا تزال قوية حتى اليوم ومن غير المرجح أن تضعف طالما استراتيجية الطرح المتعلق بالحصار تحصد فوائد سياسية، فقبل ضم شبه جزيرة القرم، كانت شعبية بوتين قد انخفضت إلى مستويات قياسية، ولاحقاً لذلك ارتفعت لأكثر من 80%.

لكن منذ نهاية الصيف فإن شعبية بوتين قد بدأت بالانخفاض الحاد لتصل إلى 66% في أكتوبر ونوفمبر، وإلى جانب "جعل روسيا عظيمة مجدداً" على المستوى العالمي، كان من المفترض أن يعمل بوتين على تحسين مستوى معيشة الروس، ولكن عوضا عن ذلك وبعد أربع سنوات من انخفاض الدخل الحقيقي، أعلنت الحكومة إصلاحات غير شعبية بالمرة فيما يتعلق بالرواتب التقاعدية التي تضمنت زيادة في العمر التقاعدي.

إن معالجة الشكاوى الاقتصادية للروس لن تكون عملية سهلة، فالاقتصاد الروسي يتعرض لضغط شديد نتيجة للعقوبات المفروضة من الغرب بسبب شبه جزيرة القرم، والأهم من ذلك كله أن نموذج رأسمالية الدولة الروسي قد أدى الى تنافسية ضعيفة وضعف الحوافز لاستثمارات القطاع الخاص وريادة الأعمال.

مع وجود القليل من الخيارات بالنسبة إلى حشد الرأي العام، ربما قرر بوتين أنه قد حان الوقت "لتذكير" الروس بأنهم يتعرضون للهجوم. (إن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو قد يستفيد كذلك سياسيا من هذه التوترات المتصاعدة في حين يسعى إلى رفع شعبيته المتدهورة قبل سعيه إلى إعادة انتخابه خلال الانتخابات التي ستجري في مارس المقبل).

حتى نكون واضحين فإن أوكرانيا لا تهاجم روسيا، فسفن البحرية الأوكرانيه تقيدت تماما بالمعاهدة الثنائية الموقعة سنة 2003 والتي تنظم عملية الوصول إلى مضيق كيرتش وبحر أزوف، لكن بوتين يأمل بتأكيده على دخول السفن للمياه الروسية بشكل غير قانوني، ناهيك عن تصاعد التوترات مع الغرب، أن ينعش طرحه المتعلق بالحصار؛ مما قد يلهم هذه النوعية من المشاعر الوطنية البدائية التي اعتمد عليها لفترة طويلة من الزمن.

ومن الممكن أن يتضمن ذلك استفزازات مباشرة، وربما في نهاية المطاف اشتباكات مسلحة، لكن من المرجح أن يحاول بوتين جذب المزيد من الاهتمام العام لمجمع صناعة السلاح الروسية وتطوير الأسلحة، حين يحتفل بالأمجاد الغابرة وخصوصا النسخة الأسطورية للحرب العالمية الثانية التي عمل على ترسيخها كعنصر من شرعيته.

على سبيل المثال فإن مما لا شك فيه أن تبجيل ستالين الذي يشترك بوتين معه بعدد غير قليل من الصفات قد ساهم في أن يكون عند الكثير من الروس استعدادٌ أكبر لتقبل القمع. إن العرض العسكري الكبير للاحتفاء بذكرى نهاية حصار لينينغراد والمزمع إجراؤه في 29 يناير في سانت بطرسبرغ قد يلهم المشاعر الوطنية لكنه لن يعكس بأي شكل من الأشكال الدراما الحقيقية لسكان المدينة الجوعى.

إن قيام بوتين باستحضار المشاعر الوطنية قد لا يكون كافيا لحشد الرأي العام هذه المرة لأسباب ليس أقلها أن العداء تجاه الغرب لدى الروس- والمرتبط بأوكرانيا في أذهان الكثيرين– قد ضعف، وبهذا المعنى فإن احتفالية أخرى للتذكير بالمجد التليد والمزمع إقامتها في يناير في نوفغورود قد تكون أكثر تصويرا لما حصل فعلا من الناحية التاريخية مقارنة بالمقصود من وراء تلك المناسبة.

إن "ذا غريت فالتز" التي يرجع تاريخها إلى يوليو من سنة 1944– والتي ستحاول احتفالية نوفغورود استحضارها– هي عبارة عن قيام الروس بعرض 57 ألفاً من سجناء الحرب الألمان في شوارع موسكو، حيث كان هدف ستالين هو إذلال الألمان وتذكير سكان موسكو بكراهيتهم للأعداء، ولكن الذي حصل بالفعل هو أن العديد من الروس شعر بالشفقة تجاه السجناء، حتى أن البعض كانوا يرمون الخبز لهم.

عندما سئل علماء الاجتماع من مركز ليفادا الروس الذين يبلغون من العمر عشرين عاما لتحديد البلدان التي ينظرون إليها كنموذج يحتذى به، اختار هؤلاء ألمانيا تليها الصين وشرير بوتين المفضل الولايات المتحدة الأميركية، وفي حين يدعم هؤلاء الشباب العظمة الروسية فإنهم يعرفون العظمة ليس فقط على أساس المعايير العسكرية، ولكن أيضا على أساس الازدهار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.

وإن مناورات السياسة الخارجية لبوتين التي أصبحت تثير الشكوك بشكل متزايد قد أدت إلى نتائج سلبية، فمن الصعب للعديد من الروس أن يروا قادتهم وهم يخصصون موارد كبيرة لسورية على الرغم من وجود تحديات ملحة في الوطن، وإن رؤية قارب روسي يصطدم بقارب أوكراني لا يعتبر بديلا عن الفرص الاقتصادية.

لقد كان الشعار "نستطيع تكرار ذلك"– كإشارة إلى انتصار الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية- يحظى بالشعبية لفترة طويلة من الزمن في روسيا، لكن الحقيقة هي أننا لا نستطيع تكرار ذلك، فنحن لا نفتقد الموارد فحسب ولكن للرغبة أيضاً في أن نترك أبناءنا الشباب يموتون وهم يحاربون شباب بلد آخر، وفي واقع الأمر آخر شيء يريده الروس هو تكرار حرب أدت إلى مصرع 27 مليون شخص من مواطينهم.

* أندريه كوليسنيكوف

* مساعد أول ورئيس برنامج السياسة المحلية الروسية والمؤسسات السياسية في مركز كارنيغي بموسكو.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

قبل ضم شبه جزيرة القرم كانت شعبية بوتين انخفضت إلى مستويات قياسية ولاحقاً ارتفعت إلى أكثر من 80%

استحضار بوتين المشاعر الوطنية قد لا يكون كافياً لحشد الرأي العام عند الروس لأن عداء الغرب لديهم ضعف كثيراً
back to top