استدارة روسية نحو آسيا

نشر في 08-11-2018
آخر تحديث 08-11-2018 | 00:00
 ناشيونال إنترست اختبرت روسيا في السنوات الأخيرة أوقاتاً عصيبة، فدفع التباطؤ الاقتصادي، وانهيار أسعار النفط، والعقوبات الغربية التي حرمت روسيا من التكنولوجيا والمال السهل، استراتيجيات الكرملين إلى التركيز على سياسة استيراد بديلة، وإعادة تنظيم سلاسل إمداد الاستيراد، والحد من الاعتماد على صادرات النفط، ودفع البلد في استدارة نحو آسيا.

من وجهة نظر موسكو، تشكّل آسيا بديلاً ينمو بسرعة لنظام العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولي الحالي المتحور حول الغرب، فضلاً عن ذلك يرى الكرملين أن هذا النظام لا يعكس الوقائع الاقتصادية والسياسية اليوم، ولهذا السبب بدأت روسيا تستثمر الكثير من الوقت والجهد في بناء وتطوير علاقات دائمة تستند إلى الاحترام والمصالح المتبادلة مع شركاء في آسيا.

ولكن مع "هوس" روسيا الحالي بالتحول نحو منطقة الهادئ الآسيوية، تنشأ الشكوك حول ما إذا كانت تستطيع ذلك على حساب شركائها الغربيين، ولكن يبدو أن موسكو تحاول الجلوس على كرسيين، لا يستطيع الكرملين إبعاد أوروبا بالكامل لأنها شريك اقتصادي أساسي لروسيا (مع أكثر من 40% من تجارتها) وأحد مزوديها الرئيسيين بالتكنولوجيا، وفي الوقت عينه تبني روسيا وتطور الجسور مع آسيا، باحثة عن أسواق وشركاء جدد قد يساعدونها في تنويع نشاطاتها الاقتصادية الحالية.

منذ عام 2015 تعمل روسيا على تنظيم نسخة من منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي في الشرق الأقصى الروسي مع المنتدى الاقتصادي الشرقي، وتهدف هذه الخطوة إلى تأمين فرص جديدة للشركات الروسية في الشرق وللشركات الآسيوية في روسيا، وإذا قارنا هذين المنتديين الاقتصاديين الكبيرين، يتضح لنا أيهما يزداد أهمية، ويكفي أن نتأمل الضيوف الرفيعي الشأن في كلا المنتديين.

وفي عام 2018، شارك قادة الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، ومنغوليا في المنتدى الاقتصادي الشرقي، في حين لم يشارك في منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي سوى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، وعلى نحو مماثل تخطت قيمة العقود الموقعة في المنتدى الاقتصادي الشرقي 46 مليار دولار، في حين بلغت قيمة عقود منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي الإجمالية 38 مليار دولار. في روسيا تمثل المنتجات الكيماوية نحو 4.4% (19 مليار دولار) من كل الصادرات، وتحتل سلع هذا القطاع المرتبة الثالثة بين المنتجات الأكثر تصديراً من هذا البلد بعد المعادن والأملاح المعدنية. ويبدو أن هذا القطاع الروسي يسعى إلى توسيع قدراته.

أعلن سيف الدين روستاموف، رجل الأعمال الذي يسيطر على Metafrax، وهي إحدى الشركات الثلاث الكبرى المنتجة للرتنغ الاصطناعي في أوروبا وأكبر منتج ومصدر للميثانول في روسيا، أن شركته تخطط لاستثمار أكثر من 950 مليون يورو (1.1 مليار دولار) في بناء منشأة كيماوية في منطقة غوباخا في بيرم. ومن المتوقع أن تنتج هذه المنشأة نحو 575 ألف طن من الكربميد، و308 آلاف طن من الأمونيا، و41 ألف طن من الميلامين سنوياً، ويُعتبر هذا المشروع أكبر استثمار للشركة منذ عقود. في شهر أكتوبر عام 2017 وقعت Metafrax عقداً بقيمة 447 مليون دولار مع شركة Casale SA السويسرية (شركة رائدة عالمياً في مجال ابتكار وترخيص تقنياتها الخاصة في قطاع إنتاج الأمونيا، والميثانول، والكربميد، والميلامين)، التي ستقدّم خدماتها لإعداد وثائق المشروع، وتزويده بالمعارف التكنولوجية التي يحتاج إليها، وتركيب معداته الضرورية، وإدارة عملية بنائه، ويؤكد هذا التعاون اعتماد المنتجين الروس على المزودين الأوروبيين في مجال التكنولوجيا والترخيض. بالإضافة إلى ذلك تأتي 40% من عائدات Metafrax من صادراتها إلى المملكة المتحدة، وفنلندا، والنمسا، وألمانيا، وسويسرا، وغيرها، إذاً، تُعتبر الدول الأوروبية أكبر مستهلكي منتجات هذه الشركة.

في شهر فبراير عام 2018، انطلقت شركة روستاموف في SamyangMeta، وهو مشروع مشترك مع الشركة الكورية Sunghong Co., Ltd، بهدف تعزيز انتشارها في منطقة الهادئ الآسيوية، ومن اللافت للنظر أن Metafrax تأمل أيضاً إيصال منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية من خلال هذا المشروع المشترك، ونتيجة لذلك يبدو هذا المشروع تدريجياً أقرب إلى محاولة للعثور على طرق بديلة لتعزيز وجودها في أوروبا.

رغم ذلك تُعتبر محاولات موسكو للتوسع في الأسواق الآسيوية في سعيها إلى تنويع خياراتها من الشركاء الاقتصاديين سياسة منطقية نظراً إلى فرص نمو السوق الآسيوية. صحيح أن هذا المسعى يبدو جذاباً، إلا أنه يظل صعباً، ورغم أن الاقتصاد الروسي نجح في التعاطي مع التحديات الاقتصادية التي يواجهها، فما زال يفتقر إلى الإصلاحات البنيوية الضرورية لدعم التنمية الاقتصادية الطويلة الأمد في البلد، ولا تستطيع "الاستدارة نحو آسيا" وحدها حل كل مشاكل روسيا الاقتصادية، ولن تنجح أيضاً في التخفيف من وطأة مواجهة موسكو مع الغرب، لهذا السبب لن يطوّر الكرملين روابط مع آسيا على حساب علاقاته مع أوروبا، بل عليه التوصل إلى توازن سليم يتيح لروسيا النمو بنجاح، مستغلاً في الوقت عينه كلا العالمين.

* أليكسيف كليبنيكوف

*«ناشيونال إنترست»

back to top