إفلاس الشركات العالمية... فتش عن غياب أبحاث السوق!

• «تويز آر أص» و«سيرز» أهملتا قراءة سلوكيات المستهلكين فتراكمت الديون ثم انهارتا
• لم يعد الإفلاس مرتبطاً فقط بالفضائح المحاسبية أو الأزمات المالية الخانقة

نشر في 01-11-2018
آخر تحديث 01-11-2018 | 00:12
محمد البغلي
محمد البغلي
لم تأخذ شركتا «تويز آر أص» أو «سيرز» على محمل الجد التوسع في مجال التسوق الإلكتروني، أو التطور في مجال الألعاب، أو التحول النفسي والسلوكي لدى المستهلكين.
حتى وقت غير بعيد كانت أشهر عمليات إفلاس الشركات الكبرى تأتي نتيجة لفضائح محاسبية، مثلما حدث مع انهيار عملاق الطاقة "إنرون"، أو بسبب أزمة مالية خانقة، كما انتهى الحال ببنك ليمان براذرز، غير أن جديد عمليات الإفلاس اليوم يمكن أن ترتبط بسبب غير مالي بالدرجة الأولى يعتبره البعض بسيطا، لكنه في حقيقة الأمر مهم جدا، وهو انحراف الشركات عن نموذج الأعمال المفترض، لاسيما الذي يفرضه التطور التكنولوجي السريع والمتلاحق.

فخلال أقل من عام أعلنت شركتان لهما تاريخ راسخ في مجاليهما إفلاسهما، لعدم تمكنهما من ملاحقة نموذج الأعمال المتطور في العالم، وبالتالي تراجع مستوى عملياتهما لأدنى مستوى.

فلم تكد شركة Toys “R” Us – تويز آر أص، المالكة لأكبر سلسلة متاجر لألعاب الأطفال، تعلن إغلاق فروعها حول العالم، بعد فشلها في التوصل إلى اتفاق للهيكلة مع المقرضين، وتعثر إنقاذها من الإفلاس، حتى لحقتها شركة سيرز العملاقة في إعلان الإفلاس بعد 132 عاما من العمل كأكبر شركات العالم التي اعتمدت البيع عبر "الكاتالوغ"، مما أعطى مجموعة من الدروس حول طبيعة أعمال الشركات الكبرى خلال المستقبل القريب، أولها أن إهمال مجال الأبحاث والتطوير يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية لا تقل خطورة عن التدليس في البيانات المالية، أو التعرض للانكشاف نتيجة لأزمة مالية أو اقتصادية.

إذ لم تأخذ شركتا تويز آر أص أو سيرز بمحمل الجد التوسع السريع في مجال التسوق الإلكتروني أو التطور في مجال الألعاب على مواقع الإنترنت والبرامج على الأجهزة الذكية، ومواكبة التحول من الألعاب التقليدية إلى الرقمية أو التحول النفسي والسلوكي لدى المستهلكين صغار السن أو كبارهم، ما انعكس على الخيارات والأذواق، وبالتالي المبيعات والإيرادات، فضلا عن نشوء وتطور منصات منافسة، وهي عناصر يترتب على إهمالها خسائر كبيرة لا يريدها أي مستثمر.

فـ"بزنس" اليوم يختلف بشكل جوهري عن أي أعمال سابقة في الشكل والمفهوم، فلم تعد أكبر شركات البريد توازي في سرعتها وكفاءتها "e-mail" لشخص واحد يخاطب العالم خلال ثوان، ولا تستطيع طوابق من أوراق الأرشيف أن تحتوي ما يخزنه "iCloud"، وأضخم الأسواق والمتاجر لا تمثل شيئا مقابل ضخامة أمازون، وسهولة التسوق من خلالها، وحتى المطاعم والمقاهي بات الناس يأكلون منها وهم لا يعرفونها، بسبب الانتشار على شكل متواليات هندسية لتطبيقات التوصيل إلى المنزل.

الرهان على الديون

ثاني الدروس يتعلق بالرهان على المبيعات لتغطية الضغوط المالية المتضخمة، فهو ليس خيارا صائبا على المدى الطويل، إذ خلص آخر تقرير سنوي لشركة سيرز إلى أنها حصلت على ديون بقيمة 596 مليون دولار تحل فترة سدادها في عام 2017، ومبلغ 1.29 مليار دولار كديون تستحق في عام 2018، مع تراجع لافت للعمليات تجاوز 85 في المئة، فيما تفاقمت خسائرها إلى 10 مليارات دولار آخر 6 سنوات، فضلا عن تعثر عمليات الهندسة المالية وإنقاذ الشركة، أما

"تويز آر أص، ففي جانبها المالي لم تكن أفضل من مثيلتها في الإفلاس (سيرز)، إذ لم تحقق شركة ألعاب الأطفال العريقة أي أرباح سنوية منذ عام 2013، ولجأت منذاك إلى تغطية الخسائر بديون تجاوزت 5 مليارات دولار، مما ضاعف العبء على مالية الشركة من ناحيتي قلة الإيرادات نتيجة تراجع المبيعات، إلى جانب توجيه أي سيولة متحصلة لمصلحة خدمة الدين وليس لتطوير العمليات والتحصل على الأرباح.

الإجراءات الدفاعية

ثالث الدروس يتمثل في ضرورة مواجهة التعثر أو شبح الإفلاس بإجراءات دفاعية لتجنب تنامي الأضرار المالية، كخفض النفقات وبيع الأصول المتعثرة وإغلاق الفروع غير المدرة وإجراء المفاوضات مع الدائنين وتوقيع اتفاقات لإعادة هيكلة القروض، وفقا للقواعد الجديدة في الشركة، وهذه كلها من الممكن أن تقي الشركات من تبعات الإفلاس، وهو ما لم تتنبه له لا "تويز آر أص" ولا "سيرز" من جهة تضخم فروعهما حول العالم، رغم تنامي المصاعب في السنوات الأخيرة، إذ فات الأوان على "سيرز" في إغلاق جزء أساسي من فروعها الـ1400 والأمر نفسه على "تويز آر أص" بمتاجرها الـ1500 حول العالم، وكان نحو 30 في المئة منها يسجل خسائر فادحة، أو اتخاذ أي إجراء دفاعي، فضلا عن الفشل الذريع في إعادة هيكلة الديون للشركتين، إذ تراكمت عليهما الدفعات المستحقة بين عامي 2017 و2018.

إفلاس ودروس

لكل إفلاس شركة مهما كان مؤلما للمساهمين والعملاء هناك فائدة من زاوية أخرى للسوق، من جهة الدروس المستفادة والقواعدة المهنية التي تترتب عليها في المستقبل، وكما كانت القواعد المحاسبية الصارمة درسا من إفلاس "إنرون"، والضمانات المشددة للتمويلات درسا من إفلاس "ليمان براذر"، وغيره من شركات وبنوك الأزمة المالية العالمية، فإنه على قاعدة "السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اعتبر بنفسه" يمكن أن يكون إفلاس شركتي "تويز آر أص" و"سيرز" درسا لتصحيح نموذج العمل وتقديم قراءات للسوق بشكل علمي أكثر، إلى جانب اتخاذ الخيارات المالية الصحيحة للحماية من شبح الإفلاس.

لم تعد أكبر شركات البريد توازي في سرعتها وكفاءتها «e-mail» ولا تستطيع طوابق من الأرشيف أن تحوي ما يخزنه «iCloud» وأضخم الأسواق لا تمثل شيئاً مقابل «أمازون»

على قاعدة «السعيد من اتعظ بغيره» يمكن أن يكون إفلاس «تويز آر أص» و«سيرز» درساً لتصحيح نماذج الأعمال بشكل علمي
back to top