صراع العصبيات في العالم العربي

نشر في 10-09-2018
آخر تحديث 10-09-2018 | 00:08
لكي نوقف سيول الدم، علينا إخراج الإنسان العربي من سجن عصبياته، وأن نعلمه احترام العقل والحرية، وهذا لن يتحقق إلا بحد معين من الكرامة الإنسانية، وفِي جو آمن من الحروب المأساوية.
 د. عبدالحميد الأنصاري لِمَ يقتل العربي أخاه العربي؟ وفِي سبيل أي غاية؟ لقد بلغت سيول الدم حد الزبى… فلِمَ هذه المذابح العربية؟

لماذا نخرب، ولا نعمر كما تفعل الشعوب المتقدمة؟ لِمَ هذا الحقد المزمن؟ كل هذه التساؤلات المريرة يطرحها د. جان طنوس في كتابه "تفكك الدولة الوطنية"، الصادر عن قلب موجوع ونفس بلغ بها الهول مبلغه.

يلخص المؤلف إجابته عن هذه التساؤلات، في جملة واحدة: إنه صراع العصبيات العربية؛ الطائفية والمذهبية والعشائرية والعرقية، هذه العصبيات القاتلة هي التي تدفع الإنسان العربي إلى هذا "الجنون" العام، وتعيده إلى ما قبل الدولة الوطنية، حيث الكل في حرب دائمة مع الكل، وحيث صوت العقل معطل، والضمير غائب، وحدِّث ولا حرج عن التباهي بالأمجاد الجديدة، أمجاد الخراب وطيور البوم الناعبة في أرجائه.

لماذا تفككت الدول العربية؟ يطرح المؤلف هذا التساؤل، ويجيب: بسبب العصبيات المتناحرة. ويضيف: التاريخ شاهد على ما حصل في الأندلس قديماً، وما يجري الآن من أهوال لا يحلم بها أعداء الأمة العربية.

ما هي العصبية؟

العصبية، كل من شأنه محو الفروقات في المجتمعات، كالطائفية والمذهبية والقبلية والعرقية، تحت شعار: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، ومن سماتها:

1 - السعي إلى تكريس فكر واحد شامل لا يهيمن فقط على حياة جماعة معينة، بل يمتد ليسيطر على فكر الجماعة المخالفة.

2 - مذهب واحد يستظل برايته الكل، ويلغي بقية المذاهب.

3 - زعيم واحد يجسد مبدأ العصبية، يدافع عنها ويقمع من يهددها.

4 - دين واحد لا يقر بتعددية الوصول إلى الحقيقة.

5 - حضارة واحدة منعزلة عن الحضارات، تعلي قيمها وتبخس قيم الحضارات الأخرى.

المجتمع المبتلى بالعصبية يتهم دائماً الآخر، ويعتبره مسؤولاً عن الأخطاء، وهو ما يعني تبرئة الذات وتجريم الغير، والعصبية تنطوي، عادة، على جرثومة العنف، ومن ثم تعد بؤرة تتفجر منها الصراعات، كما أن العصبية هي التي لا تسمح لنا بأن نتعلم من أخطائنا، لأن الحق دائماً على الآخرين، ومن ثم نكرر أخطاءنا، والعصبية تحول الإنسان إلى تابع خاضع لسلطة المجموع، ذلك هو جوهر العصبيات، الاغتراب وفقدان الإنسان إنسانيته... وما هذا الجنون الأعمى في بعض الدول العربية إلا نتيجة من نتائجها.

ما هي البنية التحتية للعصبيات؟

العائلة: عبر زرع القيم التقليدية المنافية للحرية، وممارسة الاستبداد العائلي بالترغيب والترهيب، وتربية الأفراد على ثقافة الخوف والخضوع للسلطتين العائلية، والسياسية الاجتماعية. يتشرب الطفل الاستبداد من أبيه، والمكر والخداع والتلوين والخضوع من والدته.

المدرسة: ينبغي للمعلم أن يعلم تلميذه كيف يفكر بعقله هو لا بعقل غيره، وأن يحبب لديه الشغف بالمعرفة، والهيام بالحرية.

الخطاب الديني: عندما يزرع في نفوس الناشئة فكرة الرعب من عذاب القبر ومن الآخرة، وفكرة الاستشهاد العبثي والمذهبي، وكراهية الآخر النصراني واليهودي،لأنه كافر. هذه الشخصية غير محصنة من العصبية.

الجامعة: لا يمكن للجامعة أن تكون مدرسة ثانوية كبرى، ولا يجوز للأستاذ أن يمارس سلطويته، أو أن ينحاز إلى عصبية فكرية معينة. المعلم العظيم من يدفع تلامذته إلى الثورة عليه.

الخطاب الثقافي: عندما تتحول المنتديات الثقافية إلى محاضرات، يستفرغ في آذان السامعين، من غير حوار أو مناقشة، فإنها تصبح كلاماً مملاً، لا يكون عقلاً نقدياً أمام العصبيات السائدة.

الأحزاب السياسية العربية: أصبحت محاضن للعصبيات والتحزبات وإثارة النعرات والكراهيات.

مبدأ الولاء للزعيم: الأناشيد والأغاني التي تمجد الزعيم، وتجعل الولاء له مقدماً على الولاء للوطن، إنما ترسخ مفهوم العصبية.

ختاماً: ما المخرج؟

المخرج هو في الخروج من رحم الجماعة، طائفة أو مذهباً أو عشيرة أو روابط قروية ومهنية أو عبادة لزعيم، ولن يتأتى ذلك إلا بالوعي، أولاً، ثم تربية الفرد على استقلالية الرأي، ثانياً، وعلى مرجعية العقل، ثالثاً، ذلك أن من طبيعة العقل استقلاليته عن العصبيات، والنزوع إلى الحريات... لكي نوقف سيول الدم، علينا إخراج الإنسان العربي من سجن عصبياته، وأن نعلمه احترام العقل والحرية، وهذا لن يتحقق إلا بحد معين من الكرامة الإنسانية، وفِي جو آمن من الحروب المأساوية.

* كاتب قطري

المجتمع المبتلى بالعصبية يتهم دائماً الآخر ويعتبره مسؤولاً عن الأخطاء... وهو ما يعني تبرئة الذات وتجريم الغير

ينبغي أن يُعلَّم التلميذ كيف يفكر بعقله هو لا بعقل غيره وأن يكون لديه الشغف بالمعرفة والهيام بالحرية
back to top