هل عجـز المثقف؟!

نشر في 08-09-2018
آخر تحديث 08-09-2018 | 00:02
 عبدالهادي شلا يجمع المراقبون، ومنهم المثقفون، على أن الوطن العربي يمر بأزمة كبيرة متشعبة ومتعددة بل شائكة إلى الحد الذي أصابهم بالصدمة.

صور متضادة خلقت حالة من التيه بات من الصعب توصيفها وعجز أكثرهم عن اتخاذ موقف للخروج من هذا المأزق الذي اتسع وامتد بل استشرى وتغلغل في قيم المجتمع ليقلبها رأسا على عقب بتشنج وصراع.

لفترة طويلة رسخت قواعد ثقافة عصرية جديدة وأفكار متفتحة أبدع فيها المثقفون والفنانون أعمالا مازالت في الذاكرة بقيمها وسط هذا البحر الهادر وأمواجه الهائجة، ومازالت على وهجها وبريقها رغم محاولات كثيرة لطمس قيمها الرفيعة الأصيلة، وهذا ما عانى منه المثقف في رسالة تمنى أن تحقق أغراضها وتسمو بروح الفرد عاليا وتخرجه من شرنقة القيم البالية.

عجزت الأقلام وأصحابها عن أن يخترقوا جدران روح «بعض» من ترسخت في عقولهم عقيدة سوداء النتائج وأرهقها الجري وراء سراب أفكار بالية تصارع عقيدة سامية ناصعة، نافعة للإنسانية في كل ما حملت.

أسقط في أيدي المثقفين الجادين والمستنيرين وسط هذه الحالة الجارفة، وأعجزهم زرع فكر جديد يكسر الموروث الجاف الذي تربع في عقول الكثيرين وأغلقوا عليه عقولهم أمام كل شعاع نور يحمل جديداً يأخذهم إلى عالم سريع الوتيرة ليكونوا جزءاً منه فاعلين ومنتجين.

هذا قدر كل المبدعين المجددين على مر العصور، أن يتم مواجهتهم بالتشكيك في ما لا يتوافق مع خطط العابثين بالعقل الإنساني الباحث عن الجديد، والتاريخ مليء بهم!

يقول الدكتور مصطفى الفقي: «إذا كان الإمام محمد عبده مجدداً في إصلاح الدين والاجتماع فإن لدينا مجددين آخرين في ميادين مختلفة، فالعقاد مجدد في طرائق التفكير وأساليب التحليل ومناهج البحث، كما أن طه حسين هو صاحب القراءة الفريدة في تاريخ الحياة العربية الإسلامية، والذي انتقل منها إلى شؤون الناس وأحوال المعذبين في الأرض، كما أن لدينا في الفكر السياسي المصري المعاصر مجددين من نوع آخر اتسم بعضهم بالتوازن الشديد، واتصف بعضهم الآخر بالتهور في طرح أفكار لم تكن مألوفة، فسلامة موسى في نظرى مجدد في أساليب الثقافة وطرائق التفكير، كذلك فإن مصطفى كامل قبله كان مجددا في الخطاب السياسي الذي خرج به من دائرة العبارات الإنشائية المألوفة إلى منهج مختلف يجعل الخطاب رسالة قابلة للترجمة والوصول إلى العقل الأوروبي ذاته لكشف مظالم الإنكليز وجرائم احتلالهم، من هنا فإننا نرى أن التجديد ليس صفة تلحق بشخص بذاته، أو هي شعار يرفعه صاحبه، ولكنها قبل ذلك كله ثورة فكرية تدفع أصحابها إلى المضي في طرق جديدة ودروب غير مألوفة بما لا يخالف الثوابت الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية، إن التجديد له شروطه وضوابطه».

إن كل المعوقات الطارئة على الحالة العامة في الوطن العربي تبقى جزءاً من طبيعة الزمن الذي هو في حالة مد وجزر حين ينصف اليقين الواضح ويبين حقائق الأمور في وقت يزداد إصرار المثقفين والمبدعين - رغم الشعور بالعجز- على أن يصححوا أوضاعا تعثرت في خطواتها نحو مستقبل أفضل.

ما يمر به الوطن من هزة قوية يفتح عيون المثقفين على حقائق لابد أن تثير في وجدانهم كوامن إبداع، في وقت يرى بعضهم أنهم على مفترق طريق غلفها ضباب كثيف، وكما عَبَر الأولون بفكرهم وإبداعهم غياهب ظلام دام سنين طويلة وفتحوا أبوابا جديدة على المستقبل، فالمؤكد أن يبقى قلم الكاتب وريشة الفنان وشدو المغني في حالة استنفار وتصدٍّ لكل ما يعبث بقيم المجتمع ويحول دون مواكبة ركب الأمم المتقدمة.

back to top