يافا الفلسطينية والحقائق المستعصية

نشر في 26-08-2018
آخر تحديث 26-08-2018 | 00:08
لسبعين عاما حاولت إسرائيل تهويد يافا، وعكا، وحيفا، والجليل، والمثلث بالكامل، ولسبعين عاما فشلت في محو الوجود الفلسطيني الأصيل، ولم تؤدِّ عنصريتها إلا إلى استنهاض روح الانتماء الفلسطينية، التي رأيناها في أصوات وأيادي من حملوا علم فلسطين في قلب تل أبيب، وهم يتظاهرون ضد قانون العنصرية.
 مصطفى البرغوثي لفتت نظري، مثل الكثيرين، صور الفلسطينيين من أبناء يافا وهم يفترشون شاطئ البحر، لأداء صلاة عيد الأضحى. وقبل سنوات أتيحت لي، رغم المنع، فرصة نادرة لزيارة يافا في يوم جمعة من شهر رمضان، ورأيت في ساعات ما بعد الظهر مدينة فلسطينية بالكامل، تزدان بزينة شهر رمضان، وبجموع الصائمين وهم يتقاطرون بالمئات لإعداد طعام الإفطار على الشاطئ نفسه.

ورغم أن حكومات إسرائيل فرضت الحكم العسكري على الفلسطينيين من عام 1948 حتى عام 1966، وسلبت بأسلوب لصوصي معظم أراضيهم، فانخفضت ملكيتهم من 82% من الأرض التي أقيمت عليها إسرائيل، إلى 3.5% فقط، ورغم أنها حاصرت القرى الفلسطينية بسلب أراضيها، وحاولت تحويل كل الفلسطينيين إلى عمال سخرة في مصانعها، ومزارعها، ومشاريعها، فإن الفلسطينيين الباقين الذين لم يصل عددهم بعد النكبة إلى مئتي ألف، صمدوا، وعملوا، وعلموا أولادهم، وتكاثروا حتى صار عددهم يقارب المليونين.

ورغم التمييز الصارخ والشروط القاسية لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى التعليم الجامعي، فلم يعد هناك مستشفى أو جامعة أو مرفق مهم، لم يحتل الشباب الفلسطينيون المتعلمون فيه موقع الريادة، والتميز، بجهدهم الذي كان يجب أن يكون مضاعفا كي يخترقوا حائط التمييز العنصري.

أما الناصرة العليا التي أقيمت كمستوطنة على أراضٍ سُلبت قسرا من أهل الناصرة، لتكون مدينة يهودية تنافس الناصرة العربية، فقد استطاع الفلسطينيون بعرق جبينهم وتعبهم أن يتملكوا ثلث مساكنها، بعد أن أعادوا شراء ما سرق منهم قسرا.

وغدا ثلث طلاب جامعة جنين، أي نحو خمسة آلاف طالب وطالبة، من أبناء شعبنا في الداخل بعد أن قدمت لهم فرص تعليم تتجاوز التمييز الإسرائيلي في حقول كطب الأسنان، والعلاج الطبيعي، والوظيفي وغيره.

ولم تعد جامعة فلسطينية في الضفة الغربية تخلو من طلاب الداخل الظامئين للعلم والتفوق، والمصممين على البقاء والكفاح من أجل حقوقهم.

وعندما هب أهل القدس يتصدون لمؤامرة البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى كان أهلنا في الداخل في مقدمة المشاركين في الاعتصام، والمظاهرات الشعبية.

وكلما تعرضت غزة للعدوان كان شعبنا في الداخل في مقدمة من يمد العون والإسناد لصمودها الباسل،

وما يعبر عنه ذلك، هو أن قانون القومية العنصرية اليهودية الذي أقرته حكومة إسرائيل، والذي شرع رسميا ما كان يمارس أصلا من منظومة أبارتهايد، يدفع الفلسطينيين إلى التوحد في النضال المشترك، ضد العنصرية الإسرائيلية، بغض النظر عن أماكن إقامتهم، سواء في أراضي 1948، أو في القدس وباقي الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، أو في الخارج.

التحدي المشترك، والخطر المشترك، يخلقان رد فعل موحدا ومشتركا، وذلك هو الأمر الطبيعي.

لسبعين عاما حاولت إسرائيل تهويد يافا، وعكا، وحيفا، والجليل، والمثلث بالكامل، ولسبعين عاما فشلت في محو الوجود الفلسطيني الأصيل، ولم تؤدِّ عنصريتها إلا إلى استنهاض روح الانتماء الفلسطينية، التي رأيناها في أصوات وأيادي من حملوا علم فلسطين في قلب تل أبيب، وهم يتظاهرون ضد قانون العنصرية.

هذا هو الأمل، وهذه هي الحقيقة المستعصية على قدرات حكام إسرائيل وفهمهم، والتي لا يراها كل من يواصلون الانشغال بالانقسامات الداخلية والصراعات على سلطة محكومة بالاحتلال، عن المهمة الرئيسة، وهي النضال الموحد لإسقاط الاحتلال وكل نظام الأبارتهايد العنصري الذي أنشأه حكام إسرائيل.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top