وجهة نظر : وجاهة الاطمئنان إلى مستقبل النفط

نشر في 17-08-2018
آخر تحديث 17-08-2018 | 00:25
 د. عباس المجرن حالة عدم اليقين الراهنة التي تمر بها المنطقة، بل يمر بها المجتمع الدولي، تثبت من جديد أهمية وضرورة التحسب للسيناريو الأسوأ في سوق النفط العالمي. فالعوامل التي أدت إلى تماسك أسعار النفط الخام وصعودها منذ بداية السنة الجارية، على أهميتها البالغة في التأثير إيجابا على سعر النفط، فقدت زخمها في بعض الحالات، أو تلاشت في حالات أخرى، بل ظهرت تداعيات معاكسة لبعضها. وكان أبرز تلك العوامل؛ تنامي الطلب على النفط، والالتزام المميز لدول "أوبك" وحلفائها باتفاق خفض الإنتاج، والتهديد بنسخة جديدة متشددة من العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد إيران، وتوقف الإنتاج الليبي، والانخفاض الحاد في إنتاج فنزويلا.

مستقبل الطلب على النفط

تحسن الطلب على النفط واحتمالات تصاعده باتت هشة، وفي أفضل الأحوال ستكون أبطأ مما كان متوقعا، بسبب هذا الاحتقان المتعاظم بين الصين والولايات المتحدة، بعد أن تصاعدت وتيرة الحرب التجارية بينهما، وهما أكبر عمالقة التجارة العالمية. ولا جدال في الأثر السلبي المتوقع لمثل هذه الحرب على النمو الاقتصادي، وعلى حجم الإنفاقين الاستثماري والاستهلاكي، وفي المحصلة النهائية على نمو الطلب العالمي على النفط.

ومن قرأ التقرير الشهري الصادر عن منظمة أوبك الاثنين الماضي، وأيضا التقرير الشهري الصادر عن وكالة الطاقة الدولية الجمعة الماضي، لابد أنه شعر بنبرة التشاؤم التي غلفت تقديراتهما الجديدة لمستقبل النمو الاقتصادي العالمي ومعه مستقبل الطلب على النفط.

أما اتفاق "أوبك" وحلفائها على خفض الإنتاج، والذي كان مقررا له أن يستمر حتى نهاية السنة الجارية على الأقل، فقد تم التخلي عنه بطرفة عين، بل ظهرت مؤشرات بين دول الاتفاق على التوجه نحو ضخ المزيد من النفط في الأسواق للحد من زيادة متسارعة في الأسعار قد تشجع على إغراق السوق بنفوط هامشية أو غير تقليدية مثل النفط الصخري الأميركي.

قراءة إيرانية مبكرة

كما فقد الحصار الاقتصادي الأميركي المتجدد ضد إيران تأثيره المتوقع على الأسعار، بعد أن انخفضت توقعات النمو الاقتصادي العالمي، التي كانت قد وضعت في ظل فرضيات الحالة الاقتصادية الدولية السابقة على البدء بالتدابير الحمائية الأميركية ضد الصين. وزاد من ضعف أثر ذلك الحصار، التخلي المبكر لـ"أوبك" وحلفائها عن اتفاق خفض الإنتاج، ولعل رسالة وزير النفط الإيراني زنغنه التي وجهها إلى نظيره السعودي الفالح في يوليو، محذرا من تخطي دول "أوبك" لمستويات الإنتاج المتفق عليها، تمثل قراءة إيرانية مبكرة لهذا الضعف الذي لا ترغب به إيران، لأن من شأنه أن يقلل من أثر العقوبات الأميركية على دول الاتحاد الأوروبي وباقي البلدان المستهلكة للنفط.

وأدى انتهاء حصار الموانئ الليبية إلى عودة إنتاج النفط في ليبيا إلى مستوى تجاوز ولأول مرة منذ منتصف العام الجاري المليون برميل يوميا. وأسهم في هذا التحسن ارتفاع إنتاج حقل شرارة، أكبر حقول ليبيا، إلى ربع مليون برميل يوميا.

ويبدو أن التوافق الأخير بين شركتي النفط المتصارعتين في ليبيا قد يبعد النفط الليبي وموانئه عن دائرة الصراع الملتهب هناك، رغم أن أحدا لا يستطيع التكهن بما تخبئه الرمال الليبية المتحركة والساخنة.

وفي ذات السياق لا يمكن لأحد أن يعرف ما تخبئه رمال فنزويلا الملتهبة، فرغم الصعوبات الفنية التي تعترض طريق الإنتاج الفنزويلي، لم تتخلَّ شركة النفط الفنزويلية عن خطتها الرامية إلى زيادة إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا هذا العام، بل ذهب رئيس فنزويلا إلى القول إن بلاده ستطلب المساعدة من روسيا والصين و"أوبك" إذا اقتضى الأمر من أجل تحقيق هذا الهدف.

في ظل كل هذه التشابكات والمصالح النفطية المتناقضة والمتعارضة، يبدو أن توافقا جديدا بين دول "أوبك" قد بات أكثر صعوبة من أي وقت مضى، وفي ظل البعدين النفطيين للحرب التجارية القائمة، أي ضعف النمو الاقتصادي وقوة الدولار، وكلاهما يضعف الطلب على النفط، لست أجد سببا وجيها يدعونا للاطمئنان إلى مستقبل أسعار النفط.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت

back to top