نقاب حلا شيحة

نشر في 14-08-2018
آخر تحديث 14-08-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري في خطاب شهير للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر تناول لقاء تم بينه وبين المرشد العام للإخوان المسلمين، طالبه فيه المرشد بأن يفرض على نساء مصر ارتداء الحجاب، كونه ولي أمر الأمة المصرية. ردَّ جمال عبدالناصر، بأن ذلك يعود للأسرة، وليس له شخصيا. ثم سأل المرشد: أنت لديك ابنة في كلية الطب لا ترتدي الحجاب، أليس كذلك؟ وردَّ المرشد بنعم. ثم قال الرئيس عبدالناصر: إذا لم تتمكن أنت من أن تفرض على ابنة واحدة أن ترتدي الحجاب، فهل تريد مني أن أجبر ملايين المصريات على ارتداء "طُرح"؟!

الضجة التي أثارها نقاب الفنانة حلا شيحة تبدو كمشهد من مشاهد الكوميديا السوداء. والحقيقة، أنا لا أعرف حلا، ولا أتذكر أنني شاهدت لها عملا مميزا يستحق الإشادة، ولولا الضجة التي حدثت حول نقابها، لما تذكرت حضورها أو غيابها.

الشيق في الموضوع، هو اعتبار الاخوة المتدينين حادثة ارتداء الفنانة للنقاب والرجوع عن قرار ارتدائه موضوعا مهما، وقضية من قضايا الأمة الرئيسة. فخرج أحدهم يذرف الدمع وهو يسرد لنا القصة، وكأن إيمان الناس قد بدأ في الاحتضار واننا على وشك ردة جماعية. وعرض شخص آخر مبلغا ضخما للسيدة حلا في حال عادت عن قرارها وارتدت النقاب أو الحجاب مرة أخرى. ولا أعرف أسباب ارتداء حلا للنقاب، ولا أسباب خلعه، ولا يهمني ذلك.

السؤال الأهم هو: لماذا يرى الاخوة المتحدثين باسم الدين أن نقاب شيحة هو الحد الفاصل بين الإيمان والكفر؟ ولماذا الاهتمام بأن تعود عن قرارها؟ لو كانت حلا إنسانة بسيطة ترتدي النقاب ثم تخلت عنه لما أثارت كل هذا الاهتمام والضجة المفتعلة. لكن السيدة حلا فنانة، ويرى البعض أنها ستكون قدوة لغيرها وقد يتشجع البعض باتباع طريقها.

النقاب هو وسيلة لإخفاء الهوية الشخصية لمن ترتديه، وتستطيع المنقبة أن تكون لها نافذة لمشاهدة الآخر ومعرفة هوية من أمامها، في المقابل ترفض أن يرى الآخر هويتها. ترى المنقبة في إخفاء هويتها الشخصية إظهارا لهويتها الإيمانية، فهي تعلن للآخر أن خلف هذا النقاب شخصية متدينة، وعلى الآخر أن يؤمن بأن تلك حقيقة لا شك فيها، حتى إن كان الواقع نقيض ذلك تماما.

في المقابل هي ترى كل امرأة لا ترتدي النقاب شخصية غير مؤمنة أو ضعيفة الإيمان. يشترك في ذلك رجل الدين والمتدين، فهم أيضا يقيسون كمية الإيمان في النقاب، والذي يعتبرونه الحالية الأعلى في كلية الإيمان وتمامه.

المشكلة التي تجعل هذه الهوية الإيمانية تهتز ولا تتمكن من الثبات، هي محاولة التعايش مع المجتمع وقوانينه. لا يقبل رجل الشرطة طمس الهوية الشخصية تحت النقاب، ومن واجبه أن يتعرف على الشخصية التي تختفي وراءه. لا يقبل ذلك الأستاذ في المحاضرة أو بالاختبار، ولا مفتشو الجمارك في المطارات. وهكذا، تتنازل المنقبة، وتضطر للتخلي عن هذا الإيمان الكلي، لكي تستطيع أن تتعايش مع القانون الذي تراه كفرا واضحا.

الحجاب أو النقاب هو حرية شخصية لا تفرضه القوانين في أغلب الدول الإسلامية، ولا يدل ارتداؤه على الإيمان المحض، ولا يشير عدم ارتدائه إلى الكفر، ومحاولة تقسيم المجتمع إلى جناحين؛ مؤمن وكافر، هي وسيلة تهدم المجتمع ولا تبنيه. لم يكن نقاب حلا مهما لغيرها، وليس خلعه بموضوع يكترث له أحد سواها. هذا البكاء عليه هو البحث عن موضوع يتهرب البعض من خلاله عن مآسي الأمة التي تحدث حولنا.

back to top