علم نفس أم إسلام؟

نشر في 21-07-2018
آخر تحديث 21-07-2018 | 00:06
 جري سالم الجري "ربطوها بسلاسل في حجرة مظلمة، وجعلوها تصيح من قمة رأسها ولا أحد يرد عليها، فهي ملبوسة بالشياطين حسب ظنهم". (كانت هذه أوروبا في عصر الظلمات).

"طرحوه أرضاً وأمسك به رجلان شديدان، الأول ثبت ذراعيه، أما الثاني فأمسك قدميه، والثالث ضرب جمجمته بالحجر ليستخرج الأرواح الشريرة المكبوتة". (كانت هذه أزتيكا قبل آلاف السنين).

الآنسة كانت تعاني اضطرابا عقليا، والآخر كان يعاني نوبات صرع، الأولى مشكلتها اضطرابات هرمونية، والأخير شحنات دماغية زائدة، فهل أنقذتهما الديانات؟ وهل الدين الإسلامي مميز عن ذلك؟

عندما قدم سيغموند فرويد للمرضى النفسيين الأوروبيين أريكته الشهيرة ليستلقوا عليها، ويفرغوا كل همومهم له؛ هاجرت فجأة تلك الأشباح أفئدتهم، وعندما برع ابن القيم في جمع أوصاف الأعشاب غدت وساوس الناس بعيدة، فالجن والشيطان عذر الجاهلين، فلمَ لا نتشبث بعلم النفس في الدنيا ونترك الدين للآخرة؟

هذا السؤال الحساس ترددت كثيرا في طرحه لخطورته على عقائد الناس، ولكن ما جدوى أن أكون كاتبا بلا مواجهة مواضيع جادة مطروحة بين الناس في دواوين مغلقة وفي صفحات المواقع الاجتماعية؟

علم النفس له طابع روحاني، شئنا أم أبينا، فهو يدرس تلك النفس التي تعتبر الغيب المكنون في مكنة الإنسان الفسيولوجية، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسأل أسئلة فوق الطبيعة في كل مرة يبدأ أي سؤال بأداة الاستفهام "لماذا؟".

ومجرد قدرته على هذا السؤال يعني أنه يبحث عن السببية السابقة في كل شيء، مما يعني أننا ذوات حرة، فوق الطبيعة، وأن ما ينطق فينا هو الذات أو "الروح" أو "السر المكنون"، إذاً فالروح هي المعنى الديني البحت الذي يكون ملزماً به كل عالم نفس.

علم النفس قائم على قراءة تراكمية لكل مشاعر الناس وسلوكياتهم، لربط مشاعرهم تلك وسلوكياتهم بمفاهيم يبتدعها العلماء، والتي بدورها ستكون وصفات للعلاج، فمنتهى بطولة الأطباء النفسيين هي أن ينجحوا في معالجة ذاك الغيب المسمى "النفس"، فهل سنجرب في الناس ونكتشف كل أسرار نفوسهم حتى نستغني عن الديانات التي تمنحنا الراحة؟

قطعاً لا؛ لأن الدين ليس أفيون الشعوب، إنما هو غذاء للأرواح، هو الأمان الأبدي لسؤال: لماذا خُلقنا؟ وكيف سنواجه فراق الحياة؟ وهذا ما لن يقدمه علم النفس أبداً، بل أقصى ما يقدمه علم النفس هو معرفة كيفية حدوث الراحة ولكن لن يصل إلى إعطائنا تلك الراحة، وأما الشياطين فهي ليست سبب أمراضنا النفسية ولكنها دافع للعلل الأخلاقية.

وأما الدليل الشرعي على عدم وجود سلطة للشياطين علينا فهو في هذه الآية الكريمة التي تنقل لنا تصريح الشيطان نفسه في يوم الحساب: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي".

فكلما تطور علم النفس كانت حياتنا أسهل وأجمل، فهو يعلمنا مثلا كيف نعيش ديناميكية زوجية فخمة! أو كيف نجعل الطفل يتجاوز توتراته لأول يوم بالمدرسة له، ولكن تخيير الإنسان المعاصر بين دينه وعلم النفس يكون كتخييره بين دينه والطب العام، ناهيكم أن مجرد ممارسة الدين الإسلامي بأخلاقياته ستغنينا عن كل علم النفس.

back to top