مجلس التعاون في مفترق طرق (1-2)

نشر في 20-07-2018
آخر تحديث 20-07-2018 | 00:07
 د. محمد بن عصّام السبيعي تعصف بمجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ أكثر من عام أخطر أزمة في تاريخه، أزمة لربما تأتي على أسس التعاون وعلى كل بناء اندماجي شيد عليها، على أن تمحيصا لأسس مشروع الاندماج الإقليمي التي وضعت قبل سبعة وثلاثين عاما ليعيد تلك الأزمة عرضا لأسس لم تؤت حقها من المتانة؛ مما جعلها مكمن محن محتملة، من شأنها، إن لم تشعل أزمات أخرى، أن تشد مسيرة العمل المشترك إلى الوراء.

الحديث هنا سيقتصر على ثلاث منها:

أولاها تحوم حول هوية المجلس ذاته بوصفه ممثلا لشعوبه، فالمجلس ينتسب إلى مياه الخليج، مما انعكس على شعوبه التي أصبحت تعرف منذ ذلك الحين بشعوب الخليج، وعلى غرار اصطلاح الشرق الأوسط لعل مثل هذا الاختيار الذي جرى على عجل قد استعار مباشرة من أدبيات أجنبية اسم بحر كان بكامل ضفتيه مسرحا لمطامع ومصالح قوى أجنبية، ومناطق الخليج والشرق الأوسط تمثل بدقة مغزى ما اصطلح عليها، وتخدم حتما فهم واضعيها لمصالحهم، غير أنها لا تطابق في هذه الحال جغرافية المجلس ولا تاريخ شعوبه، بل قد كانت وما زالت تفتح للمجلس بابا لمتاعب هو في غنى عنها.

ففضلا عن أن ليس في مياه الخليج تاريخياً ما يشكل آصرة وثقى بين شعوب المجلس، ولم يكن مسرحا لمعظم تفاعلها، ونعني بشعوب المجلس مثلث الخليج، البحر الأحمر وبحر العرب، فضلا عن ذلك فإن الانتساب إلى مياه دولية هي حالة شاذة في المنظمات الاندماجية المقارنة، أضف إلى ذلك أن جغرافية دول المجلس لا تعكس موقعا مركزيا للخليج، فسواحل المملكة العربية السعودية على البحر الأحمر تمثل أكثر من ضعفي سواحلها على الخليج، بل إن سواحل المملكة على البحر الأحمر هي الأطول على ضفتي ذلك البحر الذي يمثل بحق شريانا للعالم ولشعوب المملكة، كما أن أغلب سكانها يتركزون في الحجاز وهضبة ونجد وما بينهما، وكذلك الأمر لسلطنة عمان التي ليس لها على الخليج سوى جانب من رأس مسندم المنفصل عن الوطن الأم، الذي تمتد سواحله على خليج عمان وبحر العرب لضعف طول الساحل العربي للخليج، وهنا في عمان وهناك في السعودية أكاد أجزم أن مجاميع من شعوب لم تر الخليج ولم تقم معه أي علاقة هوية أو تاريخ أيا كانت.

وفضلا عن ذلك فإن جعل الخليج عنوانا لمنظمة اندماجية تغطي ما يسمى السياسات العليا والدنيا لأعضائها، أو قل تقنن كل صغيرة وكبيرة، جعل من دول أخرى، مشاطئة للخليج، لا سيما إيران ذات الشريط الساحلي الذي يفوق سواحل أي من أعضاء المجلس، مدعوة دائما للخوض فيه، الأمر الذي يبدو مشروعا ويصعب دبلوماسيا التنكر له، وهو أمر طالما سبب إحراجا وصداعا مزمنا لعمل المجلس والقيمين عليه.

فالخليج ليس بحال بحيرة عربية كما البحر الأحمر إلى حد ما، بل مناصفة بينهم وبين غيرهم، ولذا فهوية المجلس تعاني أزمة قد لا يعيها البعض، وخروج من تلك الأزمة نحو آفاق أرحب من الاندماج يبدو لي مرتبطا بإعادة النظر في نسبة المجلس والبحث عن هوية أخرى تعكس بنقاء ما يربط حقا بين شعوبه، أكان ذلك عرقهم العربي أو جزيرتهم التي تحملهم منذ أن وجدوا.

يتبع،،،

back to top