الأغلبية الصامتة: الكيمياء الأدبية!!

نشر في 12-07-2018
آخر تحديث 12-07-2018 | 00:09
إن من يعتقد أن القرارات الفجائية التي تتخذ في مثل هذه الأيام وتقلب حياة الناس ليس لها مثيل قبل ثلاثين سنة أقول له "غلطان"، البداية كانت من هناك، وما نحصده اليوم هو نتاج ما زرع بالأمس، بدأت بتعيينات غريبة واستبعاد لكل من يحمل بذرة الروح القيادية.
 إبراهيم المليفي في يوم من أيام عام 1988، كنا في ثانوية اليرموك للمقررات نتلقى العلم في أجواء هادئة داخل إحدى "شبرات" قسم التخصص الصناعي، وفجأة هبط علينا قرار وزارة التربية الصاعق: تخصص الصناعي أدبي!! أكرر الصناعي أدبي، درسنا الكيمياء والفيزياء ومقررات الصناعي الممزوجة بالمعادلات الرياضية ووزارة التربية اختارت لي ولدفعة 1985 ونحن على مشارف التخرج مصيرا يختلف عن مصير امتحان القدرات.

كانت ضربة موجعة في زمن ليس فيه صحافة ناقدة وبرلمان حي قد يحاسب وزارة التربية على قرارها الأهوج، تعلمت فيها أن كل شيء في الكويت قابل للتبدل في لحظة بما فيها معادلات الكيمياء التي أصبحت في عرف وزارة التربية قصائد من الشعر الجاهلي، الدرس الثاني وهو الأهم تعلمت فيه أن المسار القهري قد يكون ممثلا للعناية الإلهية التي تتدخل لتحويل مسارنا الذي اخترناه إلى مسار أفضل قد يبدو شاحبا في أوله، ولكنه على العكس تماما.

المسار القهري انتقل بي إلى محطة الجامعة، اخترت في الرغبات الثلاث دراسة الحقوق أو المحاسبة أو الاقتصاد والثالثة هي الثابتة، وعندما أتى موعد اختيار التخصص المساند اخترت تخصص العلوم السياسية، وهو بالمناسبة ما تفوقت فيه وساهم في تحسين معدلي العام، الآن ماذا لو سرت في الطريق الدراسي الذي اخترته؟ سأختصر الجواب أغلب أصدقائي المتفوقين في الثانوية تعثروا دراسيا واضطروا للدراسة في الخارج، ومن دخلوا الحقوق والمحاسبة سقطوا ما بين قتيل وجريح.

السؤال المهم، هل أتمنى لو لم يصدر قرار وزارة التربية بتحويل تخصصي من علمي إلى أدبي ومشيت في طريقي الذي اخترته؟ جوابي هو نعم وبدون شك، فلا شيء يعادل حقي في الاختيار، ومثلما تعاملت مع الصدمة الأولى فسوف أتعامل مع الصدمات اللاحقة وهي كثيرة بالمناسبة، المهم هو زوال القرارات غير المدروسة ذات الآثار العميقة في مستقبل الناس ومصايرهم.

في الختام، من يعتقد أن القرارات الفجائية التي تتخذ في مثل هذه الأيام وتقلب حياة الناس ليس لها مثيل قبل ثلاثين سنة أقول له "غلطان"، البداية كانت من هناك، وما نحصده اليوم هو نتاج ما زرع بالأمس، بدأت بتعيينات غريبة واستبعاد لكل من يحمل بذرة الروح القيادية، ولأن الخطأ يجر الأخطاء دمر الجهاز الإداري من الداخل، وصار اليوم الذي يمر بدون كارثة مكافأة بحد ذاتها للطاقم الذي هبط علينا بالبراشوت.

back to top