في وداع «بوحمّود»

نشر في 01-06-2018
آخر تحديث 01-06-2018 | 00:06
 فواز يعقوب الكندري للشّاعر الفذ بدر عبدالمحسن كلمات عن الوجع أعيشها الآن، وأنا أرثي المدّعي العام جاسم السّبتي، الذي كتب الله له الرّحيل الخميس الماضي، يقول فيها عملاق الشّعر: "أنا ما عندي وجع يحصل في لحظتها، أو يومين وثلاثة... بل يأخذ الوجع معي وقته، أنا في أشخاص يوجعوني إلى الآن، ما هو وجع الفجيعة أو إذا تذكّرتهم بكيت... إنما على الأقل يكون عندي القدرة إنّي أوزّع هذا الحزن على أكبر مساحة من عمري". انتهت كلماته المؤلمة، وجدّدت فيّ الوجع.

لم يكُن يعاني مرضاً، ولم يكُن يشتكي ألماً، فجأة ومن دون سابق إنذار شعر المرحوم ليل الأربعاء الماضي بحرارة ناحية الجهاز الهضمي ذهب على إثرها للمستشفى، وتبيّن من التّشخيص أنّه يعاني من حصوة في المرارة سيبدأ بعلاجها، فعاد إلى بيته وتسحّر مع أهله مستعداً لصيام يوم الخميس، وصلّى الفجر واحتضن فراشه، وكانت هذه آخر صلاة، وآخر سحور، وآخر لقاء.

ليت ما سأكتبه الآن يصل إليك فتطمئن، فالجموع التي مشت خلف جنازتك كانت كبيرة، والأيادي التي ارتفعت على قبرك تدعو لك كانت كثيرة، وطابور العزاء امتدّ إلى النّهاية، والدّيوان الذي احتضن عزاءك غص بالمعزين، فأصدقاء عملك لم ينته العزاء إلّا وحفروا لك بئر ماء، وأهلك وأحبابك لم يتأخروا في أن يقيموا مسجداً باسمك وهو قيد الإنشاء، وهناك من اتّصل من القاهرة يبكيك، وآخر من بيروت يرثيك، إنّك برحيلك يا "بوحمّود" كشفت لنا ما كنت من خيرٍ تفعله وتخفيه، فرحمة الله عليك وغفرانه كل صبح نبدأ يومنا فيه وكلّ مساء ينتهيه.

ربّما لا يعرفك الكل، لذلك يجب ألا تكون النّهاية إلّا الرّسائل التي أمطرتها علينا روحك الطّاهرة وهي ترتفع للسّماء إلى من هو أحنّ منّا عليك وأرحم، إنّك علّمتنا أنّ هذه الدّنيا تافهة، وما هي إلا سارقة للأحباب ومجدّدة للأوجاع.

علّمتنا يا "غالي" برحيلك عنّا أنّه لا وقت للخصام فيها، ولا مكان للزّعل في زواياها، إنّنا أدركنا حين بكاك كلّ العاملين في مخفر الشّامية أنّك لم ترحل إلا بسيرة طيّبة تركتها لأهلك وأبنائك.

بوداعك يا "بوحمّود" تجمّعنا في الجابرية، جميع أهلك وأصدقائك وأحبابك، وكنّا نتبادل الحديث عنك، العيون لم تجفّ دموعاً، ولا عيب في نثر البكاء على رجلٍ شهم، الزّعل في قلبه غرفة، والرضا عنده مدينة، كنّا نفتقد على المائدة ضحكاتك، ونحنّ إلى قفشاتك، وما ذكرك أحد إلا بخير.

اللهم إنّه جاء إليك صائماً، فاغفر له ذنوبه، واجعل باب الرّيان مصيره ومدخله، رحمك الله يا "غالي".

back to top