«داعش» يخبّئ ملايين الدولارات في العراق والخارج

نشر في 05-03-2018
آخر تحديث 05-03-2018 | 00:05
 إيكونوميست ولّت الأيام التي كان فيها العلم الأسود يرفرف فوق ثلث العراق ونحو نصف سورية، فبعد سحق تنظيم "داعش" في ساحة المعركة خسر نحو 98% من "خلافته" المزعومة، لكن هذا التنظيم كدّس مخزونات كبيرة من المال النقدي فيما كان يغزو الأراضي في العراق وسورية، فقد باع نفط الحقول التي سيطر عليها، وفرض الضريبة على مَن حكمهم وسلبهم، وسرق أكثر من 500 مليون دولار على الأرجح من مصارف عراقية، مما جعله المجموعة الإرهابية الأكثر ثراء في التاريخ، ففي عام 2015 قُدّر الناتج الوطني الإجمالي لهذه الخلافة بستة مليارات دولارات.

يبدو أن المجاهدين توقعوا خسارة الأراضي، ففي شهر مارس فرض "داعش" استخدام عملته الخاصة في شرق سورية، وقد شمل هذا النظام لاحقاً الصيارفة ومراكز تحويل الأموال، وهكذا تمكن "داعش" من سحب مبالغ كبيرة بالعملة السورية والدولار الأميركي. في العراق موّل هذا التنظيم مئات شركات صرف العملة، حتى إن عشرات منها شاركت في مزادات العملة التي نظّمها المصرف المركزي العراقي في عامَي 2014 و2015، مما سمح لهذا التنظيم بتحويل الدنانير العراقية إلى دولارات، قبل أن تتمكن الحكومة أخيراً من إقفال هذه الشركات.

يؤكد تجار العملة في المدن التركية المتاخمة للحدود السورية أن "داعش" كان ينقل مبالغ كبيرة من المال إلى خارج الخلافة منذ مطلع السنة الماضية، والمال يتدفق عبر نظام "الحوالة"، وهي شبكة غير رسمية من مكاتب تحويل الأموال قليلة الكلفة، وسريعة، ومن شبه المستحيل ضبطها. توسّعت شبكة مكاتب "الحوالة" في سورية وتركيا منذ بدء الحرب السورية، سامحةً للاجئين، وتجار الأسلحة، ومهربي النفط بنقل المال النقدي من البلد وإليه.

تتطلب عمليات تحويل أموال "داعش" النقدية، التي تبلغ أحياناً ملايين الدولارات، أسابيع لتُنجز، إذ تُعتبر العمليات الضخمة غالباً أكبر من أن ينفذها مكتب "حوالة" واحد، لذلك يشارك فيها تجار عدة في تركيا، وأوروبا، ولبنان، ودول الخليج. بالإضافة إلى ذلك يصعب تتبع المال، فيستخدم تجار "الحوالة" تطبيق الدردشة المشفّر عبر الهاتف "الواتساب" للتواصل مع بعضهم، وقلما يحتفظون بسجّل مفصّل عن عمليات التحويل وأسماء العملاء.

ينتهي المطاف بالجزء الأكبر من المال إلى تركيا، حيث يعتقد المسؤولون الاستخباراتيون أن أفراداً يعملون على تكديسه لاستعماله في عمليات لاحقة، ويستثمرونه في الذهب، ويستخدمونه لإبقاء خلايا "داعش" النائمة ناشطة. يذكر أحمد يايلا، الرئيس السابق لشعبة مكافحة الإرهاب في الشرطة التركية: "لا تحتاج إلا إلى 500 دولار شهرياً لتغذي وتؤوي خلية من شخصين أو ثلاثة أشخاص". كذلك كشفت التحقيقات بشأن الهجوم المميت على النادي الليلي في إسطنبول في الأول من يناير عام 2017 أن "داعش" أقام نحو مئة منزل آمن في المدينة، حيث عثرت الشرطة على أكثر من 500 ألف دولار.

علاوة على ذلك بيّض تنظيم "داعش" مخزونه من الأموال النقدية باستثمارها في شركات شرعية في مختلف أرجاء المنطقة، ففي العراق مثلاً استخدم وسطاء لشراء المزارع، ومعارض بيع السيارات، والفنادق، والمستشفيات. ويعمل معظم هؤلاء الوسطاء بهدف تحقيق المكاسب وليس التزاماً منهم بأي عقيدة، حسبما يؤكد ريناد منصور من مؤسسة Chatham House الفكرية البريطانية. وعدد كبير منهم زعماء قبائل أو رجال أعمال عملوا سابقاً مع المجاهدين، ومهرّبي النفط، والأسلحة، والسلع، والناس.

يصعّب ضعف المؤسسات وانتشار الفساد على العراق معالجة هذه المشكلة. حاولت وزارات عدة عرقلة التمويل الإرهابي، إلا أنها أخفقت، كذلك يحقق السياسيون المكاسب من السوق السوداء، أما مَن يرغبون في دق ناقوس الخطر، فيخشون امتلاك "داعش" جواسيس داخل الحكومة.

يمتلك تنظيم "داعش" أيضاً القدرة على إنتاج المال النقدي، فقد يستخدم شركاته ليضع يده على أموال مخصصة لإعادة بناء مدن المنطقة المخربة، كذلك ستظل عمليات الابتزاز، والتهريب، والخطف واسعة الانتشار، فيما يحوّل هذا التنظيم تركيزه من السيطرة على المناطق إلى شن حملة تمرد، وهكذا سيبقي المال القديم والجديد المجاهدين ناشطين لسنوات.

back to top