ما سبب عدم وجود «إجماع بكين»؟

نشر في 05-03-2018
آخر تحديث 05-03-2018 | 00:06
يتعين على الولايات المتحدة أن تفهم أن التعاون الدولي لا يخدم مصلحة أحادية، كما لا ينبغي اعتبار صعود الصين تهديدا، بل على النقيض من ذلك، يمكن للصين أن تسهم في إعادة التوازن العالمي الذي من شأنه أن يعزز الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي.
 بروجيكت سنديكيت بعد أربعة عقود ينبغي أن نكون قادرين من حيث المبدأ على تحديد المنطق الأساسي لنموذج التنمية الصيني، ومع ذلك بعد 40 عاما من بدء دنغ شياو بينغ "الإصلاح والانفتاح" في البلاد، لم يتم بعد تحديد "إجماع بكين"- الإجماع الصيني المنافس لإجماع واشنطن النيوليبرالي الغربي.

وعلى مر السنين عملت الصين على تحويل اقتصادها المنغلق والمخطط له إلى نظام أكثر انفتاحا على السوق، وقد حلت الصناعة، بصورة متزايدة، محل الزراعة باعتبارها المحرك الرئيس للنمو، حيث انتقلت البلاد من كونها مجرد مقلد تكنولوجي إلى مبتكر عالمي، وفي الوقت نفسه واجهت الصين العديد من التحديات الصعبة بدءا من الديون والقدرة المفرطة إلى التلوث الشديد والفساد الرسمي.

وقد ثبت أن هذه العملية معقدة للغاية، ووفقا لتساي فانغ الاقتصادي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، لا يمكن فهم هذا التطور إلا في ظل التاريخ الفريد، والديموغرافيا والجغرافيا، فضلا عن الاتجاهات العالمية والتكنولوجيا على نطاق أوسع، وقد ساعدت كل هذه العوامل، في نهاية المطاف، في تشكيل الحكم والمؤسسات في الصين.

وعلى النقيض من ذلك، يقول الخبير الصيني البارز بيل أوفرهولت- وهو من أوائل الذين توقعوا صعود البلاد- في كتابه الأخير بعنوان "أزمة النجاح في الصين" إن إصلاحات البلاد مستوحاة من "الخوف والبساطة"، وقال إن هذه العوامل هي التي أسست التنمية في شرق آسيا بعد الحرب عام 1945.

ولا يمكن للهيئات المراقبة الأخرى- بما في ذلك البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وعدة مراكز فكرية مثل مركز فيربانك للدراسات الصينية في جامعة هارفارد- أن تقرر من هو على حق، فهم ليسوا معتادين على تقييم الاقتصادات التي تختلف آثارها الأساسية بشكل عميق عن اقتصاد الغرب، بما في ذلك الموروثات التاريخية والقيم والأيديولوجيات وتقاليد المؤسسات والحكم.

لنأخذ الحكم بعين الاعتبار، فوفقا للعقائد الاقتصادية الغربية يجب على الدولة التدخل بأقل قدر ممكن في أداء الأسواق، وبالنسبة إلى القادة الصينيين، ليس من الواضح ما إذا كان يمكن فصل الدولة عن السوق، من الناحية النظرية أو العملية.

فمنذ آلاف السنين كانت سيطرة الدولة افتراضيا تتمثل باستراتيجية الحكم في الصين، وهي حكومة مركزية قوية تضمن الاستقرار مع منع التنافس الإقليمي والفصلي من التسبب في الفوضى، وهكذا، عندما تعتزم الصين، على سبيل المثال، تعزيز مساءلة قادتها، فإنها لا تركز على إنشاء نظام سوقي، ناهيك عن الديمقراطية والنظام، بل على وضع أنظمة لمكافحة إساءة استعمال السلطة، فضلا عن تسهيل تداول المنتجات ورأس المال والناس والمعلومات.

كان يتعين على الحكومات المحلية، التي تتمتع بسلطة كبيرة، وإن كانت غير مؤكدة، أن تقيد هذا النهج الأبوي، وهو أمر ضروري جدا للنمو الصيني، ومن خلال الاستفادة من الخبرة المحلية (والسوق)، يمكن للصين أن تخلق نموا دون الإخلال بالتماسك الاجتماعي أو المساس بالسلامة الوطنية.

بيد أن الحكم الصيني لا يخلو من اللوم، ومن حيث المنافسة العادلة في السوق، تستمر الأسئلة حول هيمنة القطاع الحكومي، فضلا عن فعالية اللوائح والالتزام بالقوانين والمعايير والممارسات الدولية، وفي حين أثبتت الحكومة الصينية قدرتها على توفير بنية تحتية "صلبة" مثل الطرق السريعة والسكك الحديدية والمطارات، فإنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين عليها القيام به لتطوير البنية التحتية الناعمة مثل التعليم والرعاية الصحية والطاقة والبيئة والتمويل.

وهكذا لا تزال الصين تواجه تحديا يتمثل بتحقيق توازن عادل بين الدولة والسوق، مما يتيح لها ضمان المساءلة، والمنافسة في الأسواق، وتوفير السلع العامة الكافية لخُمس سكان العالم، ومما يضاعف التحديات: التغير التكنولوجي السريع، والعولمة (وردود الفعل ضدها)، والاعتبارات الجيوسياسية.

لكن لم يثبت الغرب بشكل قاطع أن نهجه في السوق الحرة سيحقق نجاحا، وإن دور الدولة- الذي يقاس، على سبيل المثال، من حيث حصة القطاع العام من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن وفرة وتعقيد القوانين التي تحكم الأنشطة الخاصة- آخذٌ في التوسع في كل اقتصاد تقريبا منذ بداية القرن العشرين.

وتوفر الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، معيارا مفيدا، وهي مثل الصين، قوة اقتصادية قارية، ولكنها تبرز أيضا كمرجع عالمي في العديد من المجالات بما في ذلك التكنولوجيا والدفاع، أو البحث والتطوير.

وعلى النقيض من وراثة الدولة الصينية غرست التجربة التاريخية لأميركا في مواطنيها وقادتها ارتباطا بالحرية، بما في ذلك السوق والحكم الذاتي المحلي، وازداد حجم الحكومة الفدرالية الأميركية وقوتها ببطء شديد حتى ثلاثينيات القرن العشرين، عندما تم تنفيذ الصفقة الجديدة- التي تضمنت برامج اتحادية ومشاريع للأشغال العمومية والإصلاحات واللوائح المالية- استجابة للكساد الاقتصادي الكبير.

وقد نمت الحكومة الفدرالية الأميركية من جديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبعدها، وهي تمثل هيمنة وازدهارا عالميين جديدين لطبقتها الوسطى (إلى حد كبير نتيجة لدعم الصفقة الجديدة للنقابات، والعقارات). ومن ثم فقد اضطلعت الدولة بدور أكبر في مجالات من بينها الدفاع والسياسة الخارجية والصحة والضمان الاجتماعي.

لكن مع تشديد الحكومة الفدرالية على اللوائح في بعض المناطق، واصلت أميركا الاعتماد بشكل كبير على السوق، مما أدى إلى اتساع أوجه عدم المساواة وتدهور البنية التحتية العامة وعجز الميزانية غير المستدامة والديون، وأدى الركود العالمي الناجم عن الأزمة المالية لعام 2008 إلى تزايد الشكوك حول توافق آراء واشنطن.

وبالتالي فإن بعض التحديات الأساسية في أميركا- الحد من عدم المساواة، والحفاظ على استقرار الأوضاع المالية والمالية، وجهود الاستدامة البيئية- هي التحديات نفسها التي تواجهها الصين، ولم يحدد أي من البلدين أي "إجماع" واضح ومؤكد لمواجهتها، وفي ظل هذه الخلفية، ينبغي تعزيز التعاون لتحقيق المنافع العامة العالمية، بما في ذلك السلام.

ويكمن الحل بالنسبة إلى الطرفين في العمل على تحقيق الأهداف المشتركة، مع الاتفاق على وجود خلاف حول بعض المبادئ الأيديولوجية، وبذلك يتعين على الولايات المتحدة أن تفهم أن التعاون الدولي لا يخدم مصلحة أحادية، كما لا ينبغي اعتبار صعود الصين تهديدا، بل على النقيض من ذلك، يمكن للصين- إلى جانب الاقتصادات الناشئة الأخرى مثل الهند- أن تسهم في إعادة التوازن العالمي الذي من شأنه أن يعزز الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي.

* أندرو شنغ وشياو غنغ

* أندرو شنغ، زميل بارز في المعهد العالمي الآسيوي في جامعة هونغ كونغ وعضو في المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن التمويل المستدام.، وشياو غنغ رئيس مؤسسة هونغ كونغ للتمويل الدولي وأستاذ بجامعة هونغ كونغ.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

على مر السنين عملت الصين على تحويل اقتصادها المنغلق والمخطط له إلى نظام أكثر انفتاحا على السوق
back to top