د. فيحان العتيبي والحراك الديمقراطي (1-2)

نشر في 22-02-2018
آخر تحديث 22-02-2018 | 00:10
 خليل علي حيدر كتاب د. فيحان محمد العتيبي، الأستاذ بجامعة الكويت، بعنوان "الحراك السياسي والصراع الديمقراطي في الكويت"، 1921-1990، دار ذات السلاسل 2010، دراسة تاريخية سياسية قيمة، تتناول أحداث سبعة عقود من تاريخ الكويت، وتربط البدايات كما يراها الباحث بالنهايات، وتحاول أن تجد لهذا التاريخ مكانة أبرز في الحياة والتجارب العربية، وأن تعرض مجرى الأحداث السياسية بمنهج جديد، ونود هنا في هذا المقال المقسوم على جزأين أن نتأمل بعض جوانب بدايات الكويت وظهورها كدولة، وبخاصة التكون السكاني والسياسي، وما سبق مرحلة المجالس التشريعية التي يركز الباحث جل اهتمامه عليها والقوى الاجتماعية المتصارعة في أحداثها، كما سنتحدث في مقالات قادمة عن محتويات الكتاب المهمة حول هذه المجالس وتصاعد "الحراك السياسي" والتطورات التي واكبت نمو المجتمع الكويتي.

ولم أجد إشارة في مقدمة الكتاب إلى كونها رسالة لنيل درجة جامعية أو أن الدراسة بحث مستقل، وعلى كل الأحوال فالحاجة لا تزال ماسة لمثلها وما بذل من جهد وتحليل قيم.

تركز الدراسة على تاريخ الكويت بين هاتين السنتين، نحو سبعة عقود حافلة، ولكنها في الواقع تعود بالقارئ بعض الشيء إلى بدايات الكويت عام 1716، والبعض بالطبع يعود بهذا التاريخ، كما يفعل د. خليفة الوقيان في كتابه عن "الثقافة في الكويت"، إلى عام 1613. ويقول د. العتيبي في المقدمة إن الكويت كانت حينذاك، قبل 300 عام، تسمى القرين، ويضيف: "كانت هذه المنطقة تابعة لبني خالد، الذين يبسطون سيطرتهم على شرق الجزيرة العربية بعد طرد العثمانيين من ميناء القطيف والعقير القريبين من الضفاف الشرقية للخليج العربي، وقد منح الخوالد "الكوت" للعتوب نظير مشاركتهم في طرد العثمانيين من إقليم الأحساء". والعتوب كما يشرح الباحث، ليسوا هم "العتبان"، القبيلة العربية المعروفة في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، ويقول: "العتوب مجموعة من قبائل ارتحلت من نجد واستقرت في الكويت، وتعود إلى قبيلة عنزة، والبعض يطلق عليهم اسم بني عتبة، بمعنى أن العتوب جمع "عتبي" وهو حلف يضم عدة قبائل هاجرت من موطنها الأصلي في نجد واستقرت على ضفاف الخليج العربي".

ويضيف: "ومن أهم عوائل العتوب آل صباح (حكام الكويت)، وآل خليفة (حكام البحرين) والجلاهمة، وآخرون".

وعن دور العتوب في بداية النشاط المالي والتجاري للكويت، براً وبحراً، يقول: "كان للعتوب سفن ومراكب عديدة، وكان نصيب العتوب من ازدهار التجارة هائلاً، ولم يتركوا وسيلة قانونية، أو غير قانونية- القرصنة البحرية- إلا استخدموها للاستفادة من تدفق التجارة، ولم يترددوا في تهريب البضائع من الكويت إلى أسواق بغداد وحلب لكي يتفادوا دفع رسوم عنها في البصرة".

كانت الكويت قد "نشأت على أرض تابعة لنفوذ بني خالد"، ولكنها لم تتحول إلى إمارة ثم إلى دولة إلا بعد هجرة العتوب إليها الذين "استطاعوا في سنوات قليلة بث الحياة في المجتمع البسيط، ونظراً للحاجة إلى وجود تنظيم إداري ومالي وقضائي، وقع الاختيار على أسرة آل الصباح لكي تستلم زمام الإدارة والرئاسة لأفراد المجتمع". ومع مرور الوقت، يضيف د. العتيبي "احتلت الكويت مركزا متقدما بين مشيخات الخليج العربي، نظراً لضعف الفرس والأتراك وانعدام نفوذهما في المنطقة في تلك الفترة، كما أدت الشركات البريطانية دوراً في نمو الإمارة الناشئة وتنشيط حركتها التجارية وحمايتها من الأخطار الخارجية لحين ظهورها كدولة حديثة".

ويشير إلى أن العتوب قد "مارسوا الغوص باعتبارها مهنة ضرورية في تلك الفترة، وأدوا دوراً مهماً في تطوير التجارة، وتأمين الطرق التي كانت تسلكها القوافل التي كانت تحمل البضائع والمسافرين الى بلاد الشام ونجد".

ومن الباحثين الكويتيين الذين لفتوا الأنظار الى دور العتوب د. خليفة الوقيان في كتابه المشار إليه، وبخاصة دورهم في ترسيخ الملامح المدنية للدولة وطبيعة السلطة في الكويت لاحقاً، فيقول: "إن هجرة العتوب الكبيرة التي خرجت من الهدار لم تكن هجرة أقوام من البوادي شردهم القحط، بل كانت هجرة لقوم يسكنون المدن ذات الحصون المنيعة، وقد دفعتهم للهجرة الرغبة في البحث عن الأمان والاستقرار وتحسين الظروف المعيشية".

وقد يتساءل القارئ اليوم، هل كانت البداوة أو العشائرية هي الطاغية على المجتمع الكويتي منذ تشكله، كما يفهم من تحليل د. العتيبي، أم على العكس، كان "العتوب" المهاجرون إلى الكويت "قوما يسكنون المدن" لا البداية، كما نفهم من د. الوقيان؟ يضيف د. الوقيان: "ومما يدل على تحضر هؤلاء المهاجرين، عدم انتسابهم إلى قبائلهم، والاكتفاء بالانتساب إلى الآباء والأجداد والأسر".

ومن الجوانب الأخرى التي أثارت انتباه د. الوقيان في تحليله لتنقلات العتوب في مناطق شرقي الجزيرة العربية، اعتياد هؤلاء على المهن المدنية الساحلية قبل قدومهم إلى الكويت، فيقول: "ومن المعلوم أن العتوب الذين خرجوا من "الهدار" توجهوا بادئ الأمر إلى الزبارة "قطر"، حيث أتقنوا فيها مهنة الملاحة والغوص على اللؤلؤ، ومنها ارتحلوا إلى الكويت". (ص22). الكويت وقيام مجلسي 1921 و1938. ويتناول نظام الحكم من صباح الأول إلى مبارك الصباح، ويقول إن النظام القبلي كان يسود البلاد، وهو نظام خلا "من التعقيدات المدنية التي تسلتزم وجود العديد من المؤسسات التي لها صلاحيات محددة لتسيير شؤون المجتمع". ويضيف: "في مطلع القرن السابع عشر كان يسود المجتمع، بشكل واضح، نظام القبيلة، وكانت تأثيرات البادية ملحوظة في الأسرة الكويتية وتقاليدها، وفي أعقاب استقرار العتوب في الكويت، قسم العتوب المسؤوليات فيما بينهم، فأصبحت شؤون الحكم من مهمة "آل الصباح"، وشؤون التجارة مسؤولية "آل خليفة"، وشؤون البحر من اختصاص آل الجلاهمة". (العتيبي، ص13).

وكان النمو السكاني في تزايد لأسباب مختلفة، فهل كانت الكويت أو القرين خالية آنذاك تماما من أية مجموعات بشرية؟ وما طبيعة النظام الذي ساد بينهم؟ وكيف نشأت الحياة على الساحل وفي البادية؟ وإذا كان الحضر وسكان البادية امتداداً للتشكيلات الاجتماعية المعروفة في الخليج والجزيرة العربية، فما مراحل ظهور الشخصية الاستقلالية للكويت؟ وما النظام الاجتماعي الذي ساد الكويت وفق الدلائل التاريخية، ما بين القرن 17 و19، وهل كان نظاماً قبلياً عشائرياً بحتاً أم كان مدنياً منفتحاً بعض الشيء، وأكثر تطوراً من بعض مدن نجد مثلاً؟

وإلى أي مدى أثر في تقاليد ذلك المجتمع، تراث "العتوب" أو أسفار التجارة البحرية والبرية إلى نجد والشام وغيرها؟ وكيف نشأت الحياة الحضرية اجتماعياً في الكويت؟ وكيف تجاوبت مع هذه النشأة قيم وروابط البادية؟

ويقول د.العتيبي إن هذا التنامي في حجم السكان كان سبباً رئيساً في اختيار الحاكم: "يتضح أن العامل الأهم الذي دفع المجتمع الكويتي الناشئ إلى اللجوء لاختيار حاكم هو زيادة عدد السكان بشكل ملحوظ، بعد توافد موجات من المهاجرين من المناطق المجاورة، كنجد والعراق وبلاد فارس، وأدى ذلك إلى الحاجة إلى قائد ينظم عملية الدفاع عن المجتمع الكويتي ضد هجمات الأعداء إلى جانب حفظ أمن البلد".

(فيحان العتيبي، ص14).

ويورد المؤرخ المعروف الأستاذ سيف مرزوق الشملان في كتابه "من تاريخ الكويت" أن الكويت قد تأسست على الأرجح سنة 1712، ويقول "الجدير بالذكر أن الكويت منذ تأسيسها حتى اليوم لم يحكمها أحد غير الذين أسسوها".

وبعكس الكثير من أنظمة الحكم في المنطقة، وتولي حكامها للحكم والإدارة، يوضح المؤرخ سيف مرزوق الشملان، التلاحم العميق بين أسرة الحكم والمحكومين، فيقول شارحاً بدايات وجذور الديمقراطية في الكويت: "لم يتميز صباح الأول ولا الحكام الذين جاؤوا من بعده إلى الحاكم السابع الشيخ مبارك الصباح الذي تولى الحكم سنة 1313هـ- 1896م) عن أهل الكويت- تقريباً- في شيء بل كانوا أشبه شيء بأمير عشيرة لا فارق بينه وبين أفراد عشيرته، وكانت سلطة الحكام في نطاق محدود، وكان يوجد من الزعماء الكويتيين من سلطتهم تفوق سلطة الحاكم نفسه. وتوجد لدينا شواهد على ذلك أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة".

ولم تكن سلطة هذه النخبة الاجتماعية والتجارية، سياسية وذات مكانة مؤثرة في تسيير الأمور فحسب، بل كان لها كذلك وزنها الاقتصادي الذي امتد عبر تاريخ الكويت إلى اليوم، رغم ما طرأ على الاقتصاد الكويتي من تغيير عميق بعد اختفاء السفن الشراعية وظهور اللؤلؤ الصناعي في الثلث الأول من القرن العشرين والقرن التاسع عشر في الواقع، ثم ظهور النفط بكميات تجارية مع منتصف القرن العشرين.

يقول المؤرخ الشملان: "كان الكوتيون يساعدون الحاكم مادياً، إذ كان فيهم من الأغنياء والتجار من هم أغنى من الحاكم كثيراً. كذلك ربابنة السفن كانوا من تلقاء أنفسم يعطون الحاكم شيئا معيناً أو كل على قدر استطاعته، ثم بعد ذلك تطور الأمر بموافقتهم على وضع ضريبة جمركية قدرها نحو 2%" . ويضيف: "كان الحاكم في المهم من أمور البلدة يستشير الأعيان ولا يقطع أمرا دون استشارتهم وأخذ رأيهم فيه".

(من تاريخ الكويت، سيف مرزوق الشملان، 1986، ص117)

وربما كان أبرز تأثير للثروة النفطية في الأساس السياسي- الاقتصادي لعلاقة النخبة التجارية الثرية بالنخبة الحاكمة في البلاد، أن كبار التجار كانوا كما أشار المؤرخ المرزوق، ضمن النخبة الحاكمة في الواقع، وبعد تطور الاقتصاد النفطي وتعاظم ثروة البلاد، وتحول الكويت إلى أولى درجات الاقتصاد الحر واقتصاد السوق، أن أصبح الكثير من أفراد الأسرة من الأثرياء والتجار.

وهو تداخل يشبه إلى حد كبير ما تطور بين التجار والصناعيين وكبار المستثمرين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وبين النبلاء والأسر العريقة في المجتمعات الأوروبية والآسيوية، من تداخل وتزاوج والتحام، وهو تمازج قد يجد طريقه تدريجياً وعلى نطاق ملحوظ، إلى المجتمعات الخليجية العربية كذلك.

back to top