طلال والمغادرة الحزينة

نشر في 09-02-2018
آخر تحديث 09-02-2018 | 00:20
 يوسف الجاسم بنقاء سريرته، وصفاء روحه، وبساطته، ونفسه المتصالحة مع الآخرين، عاش طلال مرزوق محمد الغانم عمره، الذي قارب الستين عاماً، بعد أن فارق والده؛ مرزوق الغانم، الحياة سنة ١٩٦٤، لينشأ في كنف والدته؛ الراحلة الكبيرة سعاد حمد الصالح الحميضي، طفلاً لم يتجاوز الخامسة من عمره، مع أخيه المرحوم صالح وأختيه (أبرار وريم)، الأطفال الذين لم تكد تبلغ الأصغر منهم عامها الأول، فتشكَّلت أمام طلال معالم حياة نشطة ومتفرِّدة المعالم، برفقة أمٍّ ملأت دنياها، وشغلت ناسها طوال مسار حياتها، وأنجبت أخوين لطلال وإخوته، هما: الشيخ حمد، والمرحوم الشيخ خالد، ابنا المغفور له الشيخ جابر العلي السالم، رحمه الله، فاستمر طلال وأخوه حمد الركنين الباقيين لأمٍّ عاشت كبيرة، ورحلت كبيرة، وستبقى كذلك في ذاكرة الكثيرين.

وقائع الحياة أمام طلال الغانم صنعت منه ذلك الإنسان المرهف الإحساس، الشغوف بالفن والجمال، والذي اختار حياة الظل والهدوء، ولم تجرفه بهارج الثراء، وملاعق الذهب التي تعلَّقت في فمه منذ ولادته، فاغتنى بحب الناس من حوله، واكتنز رضاهم ذخيرة لنجاح أعماله وتجارته النزيهة، واتخذ من مساعدة المحتاجين منهجاً لرضا نفسه، ولم تعلم شماله ما أنفقت يُمناه، عن قناعة وعقيدة أن أعمال الخير تقي مصارع السوء.

لم ينخرط "بوحمد" في ملاعب صراعات النفوذ السياسي أو التجاري، حيث ورث التجارة والمجد العام كابراً عن كابر، كحفيد للمرحوم حمد الصالح الحميضي، والمرحوم محمد أحمد الغانم، اللذين برعا في ميادين التجارة والشأن العام، فضلاً عن تفوق والدته لاحقاً في ذات الميادين، وكفاه ذلك مؤنة البحث عن المزيد وقناعة بما ملك.

ابتسامته كانت تشع بالرضا والبهجة على مَن هم حوله من أهله ورفاقه، وهي كانت واحدة من مزاياه التي تفرَّد بها حيثما حلَّ أو تواجد. كما أن حبه للحياة وتعلُّقه بجمالها جعلاه متخاصماً مع الأمراض والأسقام، التي ظلت تداهمه بين الحين والآخر، فعمد إلى مصارعتها على الدوام، والتغافل عنها في كثير من الأحوال، وذلك ما أقلق أبناءه وإخوته باستمرار، فهو لم يكن ليتخيَّل أن يقعده داءٌ، مهما اشتد عليه، ولا أن يسيطر دواء على ممارسة حياته الطبيعية، كواحد من عالم الأصحاء، إلى أن داهمه مرضه الأخير، وفتك بقدراته على الصمود بسرعة وتداعٍ لم يخطر حتى على بال الأطباء.

اختزل سمو الشيخ جابر المبارك، بشهادته المنشورة في الصحف، شخصية الفقيد، بتعداد سجاياه؛ بالشهامة والرجولة والكرم ونُبل المواقف وطيب المعشر والترفع عن الانتفاع بصداقته الحميمة مع رئيس الوزراء، وهي شهادة يُجمع عليها كل مَن عرف واقترب من طلال، رحمه الله، حيث فقد أهلُه وكل مَن عرفه واقترب منه نموذجاً فريداً من الرجال الذين حملوا طيبة أهل الكويت في سلوكهم ونزاهتهم، وتركوا خلفهم إرثاً من المحبة والاحترام لا يخلِّفه سوى ذلك الصنف من الرجال.

عاش هادئاً، ورحل بهدوء مغموس بحزن عميق، بعد أن قاوم سطوة الأمراض في جسده العليل، والتي لم تزده إلا صلابة، حتى آخر لحظات حياته.

ندعو له بالرحمة ولأبنائه وذويه بالصبر والسلوان، ولأخيه الشيخ حمد جابر العلي بالصحة وطول العمر، وهو الذي واجه، ولا يزال يواجه، بصبر وجلد، أعتى صروف الدهر، برحيل المغفور لهم والده وأخويه، لتلحق بهم والدته، ثم أخوه الأكبر بعدها بخمسة أشهر.

إن البقاء لله وحده، وإليه ترجع الأمور.

back to top