«أقفلتُ الباب؟»... لماذا نتحقّق مراراً مما فعلناه؟

نشر في 09-02-2018
آخر تحديث 09-02-2018 | 00:00
No Image Caption
لا شك في أن معظمنا فكّر فجأة في أحد الأيام: «لحظة! هل أوصدت باب المنزل؟». يدفع هذا الأمر البعض إلى إقفال الباب بعناية أكبر في المرة المقبلة. ولكن في حالة البعض الآخر، قد يشكّل هذا إشارة إلى اضطراب قلق، يرتبط بالخوف من خسارة السيطرة، بحسب الباحثين.
كان لدى سمير جار يتحقق من باب شقته نحو 12 مرة قبل مغادرته إلى العمل، وكان يقوم بجولات عدة حول سيارته عندما يعود إلى المنزل ليتأكد بالكامل من أن المسائل كافة على ما يُرام.

تخيل سمير غالباً حالة الرعب التي يعيشها جاره طوال الوقت. فلا بد من أنه يفكّر باستمرار في سيناريوهات عن تعرض شقته للسرقة أو عدم إطفائه محرك السيارة.

يتابع: "كان جاري يعاني على الأرجح اضطراب الوسواس القهري، وهو نوع من اضطرابات القلق تشمل أعراضه سلوك تحقق لا يمكن ضبطه وأفكاراً مزعجة متكررة".

لكننا جميعنا نتعرّض لنوبات مفاجئة من عدم اليقين. هل أطفأنا نار الفرن قبل الانطلاق في رحلة؟ والأسوأ من ذلك: هل نسينا أحد أولادنا في المنزل؟

قد يؤدي شرود الذهن والاستعجال لبلوغ وجهتنا إلى ثغرات مماثلة في الذاكرة، فضلاً عن الصدمة المفاجئة التي نشعر بها عندما نعي أننا لسنا واثقين من أننا أنجزنا كل ما كان علينا فعله.

يشير بحث جديد من جامعة كونكورديا في مونتريال بكندا إلى أن خوفاً مماثلاً من خسارة السيطرة قد يؤدي إلى سلوك التحقق المتكرر. ويؤكد الباحثون أن هذا قد يشكّل أساس كثير من اضطرابات القلق، بما فيها اضطراب الوسواس القهري.

يذكر آدم رادومسكي، الذي شارك في إعداد تقرير الدراسة: "أظهرنا أن مَن يعتقدون أنهم سيفقدون السيطرة يكونون أكثر عرضة بكثير للإعراب عن سلوك التحقق هذا بوتيرة أكبر".

يأمل الباحثون بأن تسمح لهم هذه الاكتشافات الجديدة بالتوصل إلى أساليب أفضل لمعالجة أسس اضطراب الوسواس القهري وغيره من اضطرابات القلق.

يوضح رادومسكي: "عندما نعالج اضطراب الوسواس القهري سريرياً، نحاول أن نحد من أفكار المريض عن فقدانه السيطرة لأن هذا الأمر يسهم في التخفيف من الأعراض، حسبما يُفترض".

تخلّص من خوفك

عمل رادومسكي وجون فيليب غانيه، طالب دكتوراه شارك أيضاً في وضع التقرير، مع 130 مشاركاً متطوعاً من طلاب الجامعة غير المتخرجين.

يخبر رادومسكي: "أُخضع المشاركون لتخطيط زائف لكهربية الدماغ"، علماً بأنه مصمم لقياس نشاط الدماغ الكهربائي.

يضيف: "قدمنا للمشاركين عشوائياً نتائج تشير إلى أنهم إما أكثر أو أقل عرضة لفقدان السيطرة على أفكارهم أو أعمالهم".

بعدما أقنع فريق الباحثين الطلاب بأنهم يتمتعون بسيطرة كاملة أو أنهم قد يفقدون السيطرة، طلبوا منهم إتمام مهمة على الكمبيوتر تفرض عليهم "التحكم بوتيرة مرور الصور على الشاشة" بجعلها تختفي قبل أن تضمحل عن الشاشة من تلقاء ذاتها.

لكن ما لم يدركه المشاركون أنهم ما كانوا يتمتعون بأية سيطرة على الصور التي بُرمجت لتظهر وتختفي بوتيرات محددة.

طُلب من المشاركين استعمال مجموعات مختلفة من المفاتيح للتحكم في الصور والضغط على مفتاح الفراغ (space bar) لتأكيد أمرهم.

اكتشف رادومسكي وغانيه أن المشاركين الذين كانوا مقتنعين بأنهم أكثر عرضة لفقدان السيطرة على أعمالهم اتبعوا سلوك تحقق أكثر دقة ويقظة، مقارنة بنظرائهم الذين ظنّوا أنهم أكثر قدرة على الحفاظ على السيطرة.

«إمكان تحسين» علاج القلق

الاكتشاف المثير للاهتمام حقاً الذي توصّل إليه الفريق أن المشاركين في الدراسة لم يعانوا اضطراب الوسواس القهري. ويشكّل هذا، وفق الباحثين، إشارة إلى أن الخوف من فقدان السيطرة يمثِّل أساس كثير من أعراض اضطراب القلق.

يوضح رادومسكي: "إذا أثبتنا أن الأعراض تبدأ بالظهور تلقائياً عندما نقنع الناس بأنهم أكثر عرضة لفقدان السيطرة، فقد يكشف لنا ذلك ما يكمن على الأرجح وراء تلك الأعراض في حالة مَن يتخبطون مع هذه المشكلة". ويعرب هذا الباحث عن تفاؤله قائلاً: "قد يمنحنا هذا أمراً لنحاول شفاءه".

أكّدت هذه الاكتشافات الفرضية التي انطلق منها الباحثون في عملهم هذا: "أن مخاوف الإنسان وأفكاره عن فقدان السيطرة قد تجعله أكثر عرضة لمجموعة من المشاكل، منها اضطراب الهلع، والرهاب الاجتماعي، واضطراب الوسواس القسري، واضطراب إجهاد ما بعد الصدمة، واضطراب القلق العام، وغيرها".

لا شك في أن معرفة أن سلوك التحقق المفرط ينجم عن فقدان السيطرة على الوضع قد تمهد الطريق إزاء علاجات سلوكية معرفية أفضل لمداواة مجموعة من اضطرابات القلق، وفق الباحثين.

يختم رادومسكي: {من الممكن لهذا العمل أن يحسّن إلى حد كبير قدرتنا على فهم مجموعة كبيرة من المشاكل المرتبطة بالقلق ومعالجتها}.

back to top