عشق وطن

نشر في 06-02-2018
آخر تحديث 06-02-2018 | 00:09
 يوسف عبدالله العنيزي ونحن نحتفل بأعيادنا الوطنية وأعياد التحرير يتبادر إلى الذهن أحداث ولقاءات مع شخصيات لا تزال راسخة في البال، ولعل أهمها ذلك اللقاء الذي أعتز وأفخر به مع سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، فبعد التحرير وبعد عودتي من الجزائر، دخلت على سموه في مكتبه المتواضع في قصر بيان، فطلب مني أن أسحب كرسياً كان بجانب مكتبه، ثم دنا، رحمه الله، حتى لم يعد يفصلني عنه إلا مسافة قصيرة، ثم قال بلهجته الكويتية المحببة وهو مطرق الرأس "سعادة السفير أبيك تقول لي شنهو اللي صار بالجزائر أثناء غزو واحتلال الكويت؟".

بدأت بسرد الأحداث كما عشتها على مدى أشهر الاحتلال السبعة، وما قاسيناه من ظلم وقهر، كان هناك سباق محموم بين الأحزاب الجزائرية لدعم النظام العراقي في عدوانه على دولة الكويت، وذلك لإثبات وجودها على الساحة، إضافة إلى مكاسب أخرى، وقد كانت الأحزاب الإسلامية أشدها قسوة، أما الإعلام فكان انحيازه واضحا ويطغى عليه الجانب المادي، فقد استطاع النظام العراقي وعلى مدى سنوات السيطرة على الإعلام بكل أطيافه، أما الحكومة الجزائرية فقد كانت تسعى لتلعب دور الوسيط في ظل ذلك الارتفاع لأسعار النفط الذي يحقق أرباحا عالية، كان سموه ينصت بعمق وبعد أن انتهيت من سرد الأحداث قال سموه "حوبة الكويت، إن شاء الله، ما راح تتعدى كل من وقف أو يوقف ضد الكويت وأهلها، كفيت ووفيت". كانت هذه كلمات أوسمة وأنواطا أعتز وأفخر بها.

من ناحية أخرى، ففي يوم الأربعاء الأول من شهر أغسطس عام 1990 أي في اليوم الذي سبق قيام النظام العراقي السابق بغزو الكويت الغالية، تلقيت مكالمة هاتفية من سعادة سفير جمهورية العراق في الجزائر في ذلك الوقت، وكانت تربطني به صداقة طيبة، وقد اقترح أن نذهب إلى مدينة "تيبازا" البحرية، وبالفعل قمت بالمرور عليه، في الطريق لاحظت أن الشخص غير الذي أعرف، يبدو عليه الحزن والقلق، وبدأ يكلم نفسه بصوت مسموع "والله يابو عبدالله ما أدري وين احنا رايحين، وين راح يودون البلد، والله راح يدمرون المنطقة".

حاولت معرفة ما يريد أن يقوله، لكنه لم يكن معي في ذهنه، وفجأة قال: "بو عبدالله رجعني البيت". لم أناقشه في الموضوع وعند وصولنا وقبل أن ينزل من السيارة مسكت يده قائلا له: "يا بو فلان تبي تقول لي شي"، وبعد أن أخذ تنهيدة يعصرها الألم قال: "دير بالك على حالك ودير بالك على العائلة الكريمة"، ثم نزل من السيارة وهو يجر قدميه، وفي صباح يوم الثاني من أغسطس تلقيت منه اتصالا هاتفيا قائلا: "دير بالك على حالك والله ويانا ووياكم"، وكان هذا آخر حديث جرى بيننا، وبعدها بأسابيع طلب حق اللجوء السياسي في إحدى الدول الأوروبية.

من الشخصيات التي أعتز برفقتهم أثناء العمل في الجزائر، وكانوا عونا وعضداً لنا في تلك الأوقات الصعبة أخي الفاضل سامي الإبراهيم وكيل وزارة الكهرباء الأسبق، والأخ العزيز فوزي المضف، وقد انضما لنا لتدعيم كادر السفارة الذي كان يتكون من ثلاثة دبلوماسيين، هم الأخ العزيز حمد بوارحمة، والمغفور له بإذن الله بدر العتيبي بالإضافة إلي.

هذا وقد طرحت فكرة إصدار مجلة "العربي" من الجزائر، وقد حظيت تلك الفكرة بموافقة ودعم بعض المسؤولين في الحكومة بالطائف، وقد تلقيت اتصالا من الأخ العزيز الدكتور محمد الرميحي الذي كان يوجد في ذلك الوقت في مدينة لندن، وقد تم الاتفاق لترتيب الموضوع، ولكن نظرا للكثير من العراقيل والتهديدات تم غض النظر عن الموضوع، واكتفينا بإصدار نشرة أسبوعية تحت مسمى "الكويت حرة"، وقد أشرف على إصدارها أخي العزيز"أبو لؤي" والأخ العزيز فوزي المضف.

كانت أوقاتا يصعب وصفها لما كانت تحمله من الآلام في محيط ينظر لك بذلك الكم الهائل من الأحقاد والكراهية ولنا عودة لتلك الفترة.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top