قُل الحقيقة كي تُسهّل حياتك!

نشر في 30-01-2018
آخر تحديث 30-01-2018 | 00:00
No Image Caption
يكذب جميع الناس طوال الوقت وقد يفعلون ذلك من دون علمهم أحياناً! في بعض الظروف، يستحيل أن نتجنب الكذب فنستعمله مثلاً منعاً لجرح الناس أو لإنقاذهم من مواقف صعبة. لكن يمكن أن نتساءل غالباً عن السبب الذي يدفعنا إلى الكذب. بالنسبة إلى علماء الأعصاب، لا يعطي الكذب أية منفعة للمتكلم ولا المتلقي. وفي المقابل يترافق قول الحقيقة مع منافع بارزة على مستوى الدماغ والمعنويات في آن...
حتى الأشخاص الذين اعتادوا الكذب يعترفون بأنهم ينزعجون حين يخدعون الناس ويشعرون براحة إضافية عندما يكونون صادقين. لا يمكن اعتبار كلامهم مفاجئاً لأن الثقة مريحة جداً بينما يكون الخداع والتشكيك وجهَين لعملة واحدة! تشير مختلف البحوث إلى ارتباط أشكال الأكاذيب كافة (حتى الكذبة البيضاء التي تهدف إلى حماية الآخرين) بأضعف العلاقات في حياتنا.

لن تدرك مدى ميل الناس إلى الكذب قبل أن تبدأ بقول الحقيقة. لذا يشكّل الأشخاص الصادقون عملة نادرة ويمكن أن نتأكد من أنهم يقولون ما يفكرون به بلا تردد. يمكن التأكد أيضاً من أنهم لن يتكلموا عنا بطريقة مختلفة في غيابنا ويسهل أن نعتبر مجاملاتهم صادقة وخالية من التزلّف.

الصدق هدية نقدمها إلى الآخرين، ومصدر للسلطة وأداة فاعلة لتبسيط المسائل. حين نعرف أننا مضطرون إلى قول الحقيقة بغض النظر عن الظروف والعواقب المترتبة عنها، لن نُجبَر على الاستعداد لمواقف شائكة ومعقدة. حتى أن الصدق يمنع تراكم الذكريات السيئة التي ترتبط بآثار الأكاذيب التي قيلت في الماضي. يشعر الشخص الكاذب بتوتر مستمر لأنه يتذكر أكاذيبه طوال الوقت. لكن يستطيع المرضى النفسيون مثلاً أن يتحملوا هذه المحاسبة الذاتية من دون الشعور بأي اضطراب، وهذا ما يجعل حالتهم مَرَضية. على صعيد آخر، يسمح لنا الصدق بالتعبير عن نفسنا في كل لحظة وبالتصرف على سجيتنا بكل بساطة.

عندما نلتزم بالتعامل بصدق مع جميع الناس، سنحرص على تجنب الحوادث المقلقة على المدى الطويل ولو اضطررنا إلى عيش لحظات محرجة فترة قصيرة. لكن يجب ألا نبالغ في تضخيم هذا الإحراج، ما يعني أننا نستطيع أن نقول الحقيقة لكن من دون أن نجرح أحداً. يجب أن نتمنى بكل بساطة أن يستفيد الآخرون من المعلومات التي نقولها وكنا لنتمنى معرفتها لو أننا في مكانهم.

أهمية التدرب

لكن لا بد من التدرّب على هذا السلوك كي يصبح راسخاً في حياتنا اليومية. تبدأ هذه المسيرة بالتجرؤ على رفض بعض الدعوات التي لا تروقنا أو إلغاء المشاريع التي لا تهمّنا أو التفاوض على العقود بكل شفافية أو انتقاد عمل الآخرين بأسلوب بنّاء تزامناً مع التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا بكل صدق ودقة. ستكون هذه التصرفات أشبه بمرآة لحياتنا الحقيقية لأن الالتزام بعدم الكذب يتطلب التركيز على الحقيقة بشكل متواصل. يجب أن تطرح على نفسك أسئلة على الشكل الآتي: أي نوع من الأشخاص أنا؟ إلى أي حد أطلق الأحكام على الآخرين؟ إلى أي حد أصبحتُ مخادعاً؟

بهذه الطريقة ستكتشف أن ثمة صداقات في حياتك ليست حقيقية. ربما اعتدت على الكذب كي تتجنب مشاريع مزعجة أو لا تعبّر عن رأيك الفعلي خوفاً من نشوء خلافات مع الآخرين. لكن من المستفيد من تصرفاتك هذه؟ بقليلٍ من الصدق، ستلاحظ أن جزءاً من علاقاتك لن يصمد إزاء المصاعب والمشاكل. لا شك في أننا ننتمي جميعاً إلى جماعات مضطرة إلى الصمود بشكلٍ أو بآخر (العائلة الشخصية، وعائلة الشريك، والزملاء والأصدقاء، وأرباب العمل...) ومن المعروف أن الدبلوماسية تؤدي دوراً إيجابياً في حلّ الخلافات. لكن ليس إخفاء بعض المسائل أو التركيز في المحادثات على نقاط محددة دون سواها مرادفاً للكذب ولن يمنعك هذا السلوك من تقبّل الحقيقة مستقبلاً.

على صعيد آخر، يؤدي الصدق التام إلى إبراز أبسط خلل في حياتك. هل تعيش علاقة زوجية مضطربة؟ إذا كنت ترفض الكذب على الآخرين مهما كانت الظروف، ستضطر في هذه الحالة إلى استعادة السيطرة على وضعك وحل المشكلة. كذلك، يمكن أن يكشف التمسك بالحقيقة مسارات تسمح لك بإحراز التقدم في الحياة من خلال القيام بخيارات غير مسبوقة.

يمكن أن ترفض مثلاً إلقاء خطاب في مناسبة بالغة الأهمية بحجة أنّ شخصاً آخر يستحق هذا الشرف أكثر منك، لكنك تعرف في داخلك أن السبب الحقيقي يتعلق بخوفك من التكلم علناً أمام الناس وستكون مستعداً لفعل كل ما يلزم لتجنب موقف مماثل. ربما لا تعترف صراحةً بهذا العيب في شخصيتك ويسمح لك الكذب في هذه الظروف بتجنب الموقف المحرج الذي تخشاه. لكن إذا قررت أن تتمسك بقول الحقيقة بغض النظر عن العواقب، تسمع كلاماً تشجيعياً من المحيطين بك وتتجاوز مخاوفك وتطوّر نفسك في نهاية المطاف.

في ما يخص العلاقات، لا ينشغل الشخص المريض بالكذب بردود فعل الآخرين ولا يتردد في إنهاء أية علاقة يعيشها حين يحتاج إلى فعل ذلك. يكون هذا النوع من الأشخاص أنانياً بامتياز. لكن بالنسبة إلى معظم الناس الآخرين، يترافق الكذب مع كلفة نفسية واضحة.

دوامة لامتناهية

تكفي الأكاذيب الصغيرة للدخول في دوامة من الكذب اللامتناهي. عند طرح الحقائق بكل بساطة، لن نحتاج إلى القيام بأي جهد إضافي. في المقابل، سنضطر إلى الاحتماء ومتابعة الكذب ومنع ظهور الحقيقة طوال الوقت حتى لو بدأنا بكذبة بسيطة. عندما نقول الحقيقة، لن نحتاج إلى تذكّر شيء عن الموقف الذي عشناه بل يسهل أن نتجاوزه وننتقل إلى مرحلة جديدة. يصبح العالم في هذه الحالة مرجعاً بحد ذاته ومخزناً لتلك الذكريات ويمكن أن يعود إليها الآخرون دوماً إذا راودتهم أسئلة إضافية. حتى أننا نستطيع أن نعيد النظر في بعض الوقائع ونغيّر رأينا بكل صراحة ويمكن أن نعبّر عن ارتباكنا وتناقضاتنا وشكوكنا بصدق. سيكون قول الحقيقة في هذه الظروف طريقة طبيعية للتخلص من الأخطاء المرتكبة.

في المقابل، يضطر الشخص الكاذب إلى تذكّر ما قاله ويجب ألا يغير أقواله كي لا تنكشف أكاذيبه. يفرض هذا الوضع ضغطاً مستمراً ويُضعِف التواصل الصادق بين مختلف الأطراف. كذلك يجب أن يقيّم الكاذب أي تفصيل جديد، بغض النظر عن مصدره وظروفه، للتأكد من عدم فضح أمره أمام الناس. حتى لو لم يكتشف الآخرون أكاذيبه، سيتراكم الضغط النفسي المرتبط بهذا الوضع الشائك ولن يشعر الفرد بالراحة ولو للحظة.

بعد عدد محدد من الأكاذيب، لن يتمكن الشخص الكاذب من بذل جهود إضافية لمواكبة أقواله السابقة وتجنب التناقضات التي تكشف حقيقة ما قاله. وحتى لو لم يتعرض الكاذب لاتهام مباشر بالكذب، من الطبيعي أن يستنتج بعض الأشخاص المحيطين به وجود خلل في علاقتهم معه وسرعان ما يفقدون ثقتهم فيه لأنه سيصبح في نظرهم شخصاً يُحرّف الحقائق. نقابل جميعاً هذا النوع من الأشخاص في حياتنا اليومية. قد يمتنع معظم الناس عن التصادم معهم لكنهم يدركون أنّ كل ما يقولونه ليس محطّ ثقة حتى لو لم يعترفوا بذلك صراحةً. في مرحلة معينة، لا مفر من أن يتجنبوا مقابلتهم لأسبابٍ لا يفهمها الشخص الكاذب بطريقة مباشرة.

الشك

يرافق الشك الكذب غالباً، إذ تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الكاذبين لا يثقون في الأفراد الذين يخدعونهم. وكلما سببت الأكاذيب الأضرار، ستتراجع ثقتهم في ضحاياهم. حتى أنهم ربما لا يتقبّلونهم بالطريقة نفسها مع مرور الوقت. من الواضح أن الإنسان الكاذب يميل إلى الاستخفاف بالأشخاص الذين يكذب عليهم في محاولةٍ منه لحماية غروره وتبرير سلوكه الشائب.

الصدق التام يؤدي إلى إبراز أبسط خلل في الحياة
back to top