أنثى بلا حزب

نشر في 27-01-2018
آخر تحديث 27-01-2018 | 00:06
 فواز يعقوب الكندري عادة ما أحاور الرجال عن الرؤى والأفكار، وعن ميزان التضحيات مقابل تحقيق الأهداف؛ لأنه واقعنا الذي أقنع المرأة بأنها ضعيفة غير مدركة أن الوحي حين نزل على رسولنا الكريم ترك فطاحل صحابته ولجأ إلى السيدة خديجة رضي الله عنها، حيث الأمان والاطمئنان، إلا أني كنت سعيد حظٍ حين جمعني القدر بحديثٍ فخم مع أنثى ترى ابتسامتي فتظن أنها إعجابٌ بأفكارها، ولا تعلم أني كنت معجباً بغمازتها. لنترك الغزل قليلاً فلو بدأت وصفاً بها صباح يومٍ في "يناير" ما انتهيت إلا عند أبواب شتاء "ديسمبر".

بدأنا الحديث عن الفكر وتوجهاته الغائبة عن مجتمعنا، والصراع العقلي الذي يريد أن يكون تركيزه على ما تقول، كان واضحاً من عيني أن فيها إصراراً على أن تتكحل مع القائل، فوجدت فيها ما لم أجده في الكثير من الفتيات، وجدتها تقدم الاعتصامات على الماركات، وتعشق ساحة الإرادة أكثر من عشقها لـPRADA، متيقنة تماماً أن الله لم يخلقها فقط للمطبخ، وأن الوطن الذي تسير فيه الفتيات خلف "الفاشنستات" يسير للأسفل، وأن المجتمع الذي تهتم فيه الأمهات بمقادير الطعام والبهارات أكثر من اهتمامهن بتربية أبنائهن على انتزاع حقوقهم آيلٌ للسقوط.

ارتدى التوهان ملامحها حين وجهت لها سؤالاً عن توجهها الفكري، ولم تعرف الإجابة، مما أجبرها أن تكون معي صريحة وواضحة، فبدأت بحروف تترنح على حافة نظرتي التي تخشى أن تتغير حين أعرف أنها لم تختر توجهاً معيناً تبني عليه أفكارها، فأدهشتني قائلة: "فاقد الشيء لا يُعطيه، فنحن نكبر في أوطانٍ دون أحزابٍ تنشر أفكارها فنعيشها واقعاً وندرك صدقها ونبني على ذلك توجهاتنا".

فبادرتها سائلاً: هناك أوطان عربية فيها أحزاب، وهذه الأوطان مشرد أبناؤها، مهشمة أركانها، مسروقةٌ مقدراتها، فأجابت بعد أن انتهيت من السؤال الذي لست مؤمناً به لكني أريد أن أطيل معها الحديث لتكتفي عيني جمالاً وأناقة، قائلة: المقارنة لدينا دائماً تكون بمن هم أسوأ منا، فإن كانت هناك بضع دول استخدمت الأحزاب في تدمير أوطانها، فإن هناك مئات التجارب التي تؤكد أن الأفكار والتوجهات الصادقة التي يتبناها عناصر الأحزاب التي تتنافس على بناء أوطانها بإخلاص قد انتشلت أوطانها من قاع الخريطة إلى قمتها.

هُنا شعرت أنها أدركت أني لن أتوقف عن الأسئلة، وأن الإطالة فيها متعمدة، بعد أن وجدتني أبتسم لحديثٍ مذاقه مر، وأن نظرات عيوني زادت من "حفرة" وجهها عمقاً، فأنهت حديثها معي قائلة: إنني مؤمنة أن الله يقدر لنا الخير دائماً، ولكني مؤمنة أيضاً بأن هذا الوطن يحتاج عملاً أكبر مما نراه، وأنهيت حديثي معها قائلاً: أنا نادمٌ جداًعلى كل دقيقة نقاش ضيعتها مع صديقي "بوعيسى" الذي كنت أحمل هم "جكره" فوق هموم وطني.

back to top