حان الوقت للاعتراف بنجاح سياسة ترامب الخارجية

نشر في 23-01-2018
آخر تحديث 23-01-2018 | 00:06
 ناشيونال بوست حين انتخب دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين لأميركا في نوفمبر 2016 أخذ العالم كله نفساً عميقاً، إذ تعرض الرجل لانتقاداتٍ مجحفة واتهامات بالانعزالية، وبالجهل التام في إدارة شؤون السياسة الخارجية، وشجب عدد لا يستهان به من الأطراف نزعته القومية المفرطة مؤكدين أنها تشكل خطراً محدقاً تؤدي الى هلاك البلاد، وهكذا تناوب القادة الأوروبيون على التنديد بقائد العالم الحر الجديد أمام محكمة الرأي الدولية، ولكن وبعد مرور عام على رئاسة دونالد ترامب يبدو سجل الأخير أكثر فعالية بكثير مما توقّعه منتقدوه، فلم تؤدّ مقولته: "أميركا أولاً" الى انسحاب أميركا من العالم بل العكس تماماً.

تعرّضت استراتيجية البيت الأبيض الجديدة للأمن القومي، التي كشف عنها ترامب نفسه في ديسمبر، لانتقاداتٍ شديدة من نظام فلاديمير بوتين الذي وجد فيها إعلاناً عدائياً للنوايا من الإدارة الأميركية في الساحة الدولية، وتلك أول استراتيجية للأمن القومي منذ عام 2015 وهي ترسم الخطوط الكبرى للتفكير الاستراتيجي لرئاسة ترامب وتشكل تناقضاً فاضحاً مع تلك التي وضعها سلفه أوباما، مشدّدةً على السيادة القومية الأميركية واتخاذ القرارات باستقلاليةٍ تامة ومراقبة الحدود.

وتلك العناصر كلّها هي التي ينادي بهام مناصرو البريكست البريطاني، ويشير ناقد بريطاني يشكّك في الاتحاد الأوروبي بأنّ ترامب مؤمنٌ صادقٌ بقيمة العلاقة المميّزة بين أميركا وبريطانيا، وأنه يودّ الوقوف الى جانب حلفاء أميركا التقليديين كلّهم، وفي الشرق الأوسط فعّل ترامب كل الشراكات بين الولايات المتحدة والسعودية ومصر، وفي آسيا كذلك عزّز التحالفات مع اليابان وتايوان رغم امتعاض الصين، وفي أوروبا وطّدت الإدارة الأميركية العلاقة مع بولندا، السلطة الصاعدة في شرقي أوروبا، وشدّد ترامب على ضرورة العمل مع عواصم بلدان أوروبا كل واحدة على حدة بدلاً من الاتحاد الأوروبي.

ونتيجة ضغطٍ كبير من واشنطن، ولأوّل مرة منذ عقود، زاد الإنفاق على الدفاع بين حلفاء حلف شمال الأطلسي، حين دخل ترامب إلى البيت الأبيض قبل عام، كانت أوروبا تخشى أن يسير على هوى المسار الروسي وأن يخضع لجهود موسكو الحثيثة لزيادة نفوذها. أتى واقع الأمور مختلفاً تماماً عن هذا التصوّر، وكانت رسالة أميركا الى حلفائها المقيمين في ظلّ الدبّ الروسي واضحةً ومدوّية: ستدافع الولايات المتحدة عن أوروبا ضدّ أي محاولةٍ روسية تهدّد أراضٍ واقعة ضمن بقع حلف شمال الأطلسي.

وهكذا وسعت إدارة ترامب الوجود العسكري الأميركي في البلطيق، وأمّنت أنظمة البطاريات المضادة للصواريخ لبولندا، وحتى أعلنت نيّتها إرسال أسلحة دفاعية الى أوكرانيا، وطبعاً تحتاج سياسة ترامب الخارجية إلى تحسين، فأمام الاعتداءات الروسية المتزايدة، على الرئيس أن يتخّذ قرارات سياسية صلبة مع إرادة حازمة لمواجهة فلاديمير بوتين شخصياً بشأن نشاطاته في القرم وأوكرانيا.

إذا كان بوتين يعتقد أنّ لديه صديقاً في البيت الأبيض فهو مخطئ للغاية، فقد زادت إدارة ترامب العقوبات ضدّ موسكو، وتحدّت الهيمنة الروسية في سورية، وقد تجلّت القيادة الأميركية بشكلٍ واضح في كلّ من العراق وسورية، فقد استعاد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة 98% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة "داعش" في هذين البلدين، محرّرةً بذلك خمسة ملايين شخص من نير الحركة الارهابية المتطرفة.

ولعلّ سرعة الخسارة التي مني بها "داعش" إنّما تعود أولاً وآخراً الى القرار الذي اتخذه ترامب بتحرير الجيش الأميركي من القيود التي اتّخذها سلفه أوباما في البيت الأبيض، وما زلنا نتطلّع الى استراتيجيةٍ أميركية أكثر تماسكاً للتعامل مع كوريا الشمالية، ولا شكّ أن ترامب عزز على الصعيد الإيراني من شروط الاتفاق النووي مع إيران بما يصب في مصلحة أميركا.

ولعلّ هذا الرئيس يفتقر الى بلاغة الرئيس جون ف. كينيدي، أو كاريزما رونالد ريغان الأيديولوجية، إلا أنّه برهن، بما لا يرقى إليه شكٌ، استعداده الدائم للدفاع عن مصالح بلدنا، ومواجهة أعدائنا بصرامة، وضمان استعادة أميركا لدورها كسلطةٍ عظمى على الساحة الدولية. لقد شطب هذا الرئيس سياسة أوباما القائمة على إدارة أميركا للعالم من المقاعد الخلفية!

* نايل غردينر

* مدير مركز مارغريت ثاتشر للحرية في «مؤسسة الإرث»*

«ناشيونال بوست»

back to top