حدود دعم روسيا والصين فنزويلا

نشر في 19-01-2018
آخر تحديث 19-01-2018 | 00:05
 ريل كلير تدين استراتيجية الأمن القومي الجديدة، التي تبنتها إدارة ترامب، الصين وروسيا لدعمهما "الحكم الدكتاتوري في فنزويلا" واستخدام صفقات بيع السلاح لممارسة النفوذ الإقليمي، ويحتل منع الصين وروسيا من تحدي الهيمنة الإقليمية الأميركية مرتبة عالية على أجندة البيت الأبيض بشأن أميركا اللاتينية.

تصوَّر علاقات كاراكاس بموسكو وبكين غالباً بطريقة مبالغ فيها، حتى من قبل الحكومات بحد ذاتها، فعلى سبيل المثال زار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في شهر أكتوبر بوتين في موسكو، وأطلق ادعاءات واهمة عن دعم روسيا العسكري غير المحدود، وأعلن مادورو في أعقاب تهديد ترامب بـ"الخيار العسكري" في التعامل مع فنزويلا: "لي ملء الثقة بأننا سنُعطى المزيد من الدعم حتى لو لم نطلب".

عززت إدارة ترامب عقوبات القطاع المالي المؤلمة ضد مادورو، فيما عمل هذا الأخير على ترسيخ سلطته قبيل انتخابات رئاسية محتملة هذه السنة، صحيح أن بكين وموسكو قدمتا قسراً لفنزويلا دعماً اقتصادياً محدوداً، إلا أنهما امتنعتا مراراً عن منح مادورو عملية الإنقاذ التي يبدو بأمس الحاجة إليها.

تراجع دعم الصين ليقتصر على مخصصات سنوية تدعم مادورو، إلا أنها لا تحل المشاكل البنيوية العميقة، أما روسيا فعقدت أخيراً مفاوضات بشأن عملية تسديد سخية لقرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، بيد أنها لم تطلق أي عمليات تمويل جديدة.

لا شك أن بوتين يستمتع بدعم حكومة مناهضة للولايات المتحدة تقع على عتبة هذه الدولة الأميركية، لكننا لا نعلم ما إذا كان مستعداً ليتخطى الدعم الذي سبق أن قدّمه، أولاً وعد في المرحلة التي سبقت انتخابات شهر مارس الرئاسية الروسية بخفض الإنفاق، ومن السبل الأبرز التي سيتبعها لتحقيق هذا الهدف الحد من دور روسيا في الحرب الأهلية السورية، حتى بعد الانتخابات لن تكون موسكو قادرة على تحمل أعباء عملية إنقاذ، إذ يواجه الاقتصاد الروسي مشقة منذ انهيار أسعار النفط، وجاءت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد احتلال روسيا القرم لتزيد الوضع سوءاً.

بنت الصين علاقة استراتيجية مع فنزويلا في عام 2007، في حين كان تشافيز يعزز سيطرة حزبه الاشتراكي، وبين عامَي 2007 و2012، أنفقت الصين 40 مليار دولار في فنزويلا، علماً أن هذا أكبر استثماراتها في أميركا اللاتينية حتى اليوم.

رغم ذلك، حتى في أوج التقارب الصيني الفنزويلي، كانت القروض الصينية مشروطة، فقد فرضت صفقات عدة على فنزويلا أن تسدد الكلفة بالنفط، مع أن فنزويلا تحتاج بإلحاح إلى بيع كل قطرة من النفط الخام الذي تستخرجه لتحصل على العملة، وبعدما خلف مادورو تشافيز في شهر أبريل عام 2013، تفاوضت بكين على شروط أكثر حزماً وخفّضت عملية الإقراض إلى حد كبير، فمنذ عام 2013 حتى اليوم أعلنت بكين استثمارات جديدة بما مجموعه 22 مليار دولار فقط، مع أنها لم تدفع هذا المال بالكامل، وبما أن فنزويلا اقترضت سابقاً من الصين فإنها سددت كل دولار أعطته إياها بكين في السنوات الأخيرة بكمية من النفط توازي القيمة ذاتها تقريباً.

فما الداعي للتغيير؟ بخلاف موسكو تتمتع الصين بالموارد الكافية لتبقي مادورو عائماً، ولكن عليها أيضاً الحفاظ على سمعتها، ويزداد قلق الصين حيال المخاطر الأخلاقية المترتبة على دعم مادورو، فقد دفع سوء الإدارة الاقتصادي، الذي أعربت عنه حكومة مادورو، الصين إلى خفض المخاطر، وفي دلالة واضحة على استياء بكين من كاراكاس عمد اللاعب النفطي الصيني البارز "سينوفنسا" أخيراً إلى مقاضاة PDVSA لإرغامها على تقديم التعويضات نتيجة تخلفها عن السداد.

رغم استياء بكين من مادورو فمن المؤكد أن العقاب الذي قد تفرضه عليه سيقف عند حد معين، فترغب الصين في الحفاظ على تدفق النفط الفنزويلي بشكل ثابت، كذلك ما زالت شركات النفط الصينية تتوق إلى احتياطات النفط الفنزويلية، بغض النظر عن الفوضى التي تعم هذا البلد.

إذا تحوّل السأم إلى تباعد دبلوماسي فسيمنح هذا مادورو متنفساً، ولا داعي للقول إننا سنشهد معضلة كبيرة إذا أقدمت الديمقراطيات الغربية في نهاية المطاف على منح مادورو عملية إنقاذ سياسية في وقت تمتنع فيه بكين وموسكو، اللتان تزدادان تقشفاً، عن إعطائه الإنقاذ الاقتصادي.

في هذا الإطار يشكّل التدقيق في كل هذه الضجة المحيطة بعلاقة الصين وروسيا اللصيقة بفنزويلا مفتاحاً أساسياً لضبط الضغط الدولي على حكومة مادورو بإتقان.

* بنجامين غيدان ومايكل مكارثي

* «ريل كلير وورلد»

back to top