المضيّ قدماً بشأن إيران

نشر في 10-01-2018
آخر تحديث 10-01-2018 | 00:06
 نيويورك تايمز في عددٍ سابق من جريدتنا طرحنا على أنفسنا السؤال التالي: "هل إيران ديمقراطية أم دكتاتورية؟"، وبعد أسبوع من التظاهرات في أكثر من 80 مدينة إيرانية يمكننا أن نجزم امتلاكنا للجواب المناسب. الجواب واضح من وتيرة تسارع المظاهرات، التي انطلقت من ارتفاع أسعار البيض إلى شعارات تطالب بـ"الموت للدكتاتور" مع إحراق صور المرشد الأعلى علي خامينئي.

كانت الأمور واضحة كالشمس بدءاً من استخدام العنف المفرط للسيطرة على ما سمّاه النظام "تمرّداً غير قانوني"، فالديمقراطيات الحقيقية لا تعيش في خوفٍ من شعبها، ومن المبكر جداً أن نعرف ما إذا كانت التظاهرات هذه قد سُحقت الى الأبد، ولا يمكننا التأكيد على ذلك الآن على الأـقل، ولكن ليس من المبكر إعادة النظر في الطريقة التي نفكر فيها بإيران.

غالباً ما يرتكز تفكير الغرب على ما تمتلكه إيران: صواريخ باليستية، ويورانيوم مخصّب، أو على ما تقوم به إيران: تمويل حزب الله، ومساندة بشار الأسد، وتسليح الحوثيين، أو اعتقال مواطنين بريطانيين أو أميركيين، وقد حاولت الإدارات المتعاقبة في الغرب التودّد لإيران تارةً والتعامل معها بالقوة بغية إخضاعها طوراً، من دون أن يؤدي الأمر الى أي نتيجةٍ تذكر، فلم يركز أي بلد غربي بما فيه الكفاية على سؤال: "ما هي إيران؟".

ليست المسألة في معرفة ما إذا كانت إيران دكتاتوريةً فحسب، بل يجب أن نعرف أيّ دكتاتورية هي إيران، وكي نجيب عن هذا السؤال علينا أن نعرف أي ضغطٍ يمكن ممارسته عليها قد يدفعها الى تغيير موقفها أو يقصم ظهرها؟

تقول الحكمة إنّ "إيران دولة دكتاتورية بخصائص ديمقراطية"، وهذه الدولة ممزّقة بين متشددين يريدونها أكثر قمعية وعكسريةً وبين إصلاحيين يريدونها أكثر تسامحاً، لذا على الغرب دعم الإصلاحيين قدر المستطاع وبأي وسيلة ممكنة. ولكن فشل المحلّلون في تفسير سبب زيادة الإعدامات في إيران في عهد الإصلاحي حسن الروحاني مثلاً، ولم يفهموا مثلاً وضع وزير الخارجية محمد جواد الظريف باقات الورود تكريماً لعماد مغنية، المسؤول عن قتل مئات الأميركيين. ولا يفهم هؤلاء كذلك كل العدائية الإيرانية في سياستها الخارجية عقب صفقة 2015 النووية، التي كان من المفترض أن تجعلها أكثر انفتاحاً على باقي العالم.

لنفهم إيران يجب أن ندرك أنّها تدار بعقيدةٍ قائمة على الفساد، إذ شعر الشعب أنّه يتعرض للنهب والسرقة، وكشف ستيف ستكلاو وزملاؤه في رويترز في عام 2013 أنّ مؤسسة خيرية يديرها خامنئي، تُعرف باسم "ستاد" لديها أصول بقيمة 95 مليار دولار، وأنشئت هذه الشركة- وفق رويترز- عام 1989 قبيل وفاة المرشد الأعلى السابق، روح الله الخميني، وفي عهد "خامنئي"، استولت على آلاف العقارات التي تخص مواطنين إيرانيين من أقليات دينية تنكيلا بهم، أو من يعيشون في الخارج بحجة أنها "مهجورة"، من خلال ادعاءات كاذبة في معظم الأحيان.

وتلجأ الهيئة تحت سيطرة "خامنئي"، إلى بيع العقارات المستولى عليها في مزادات علنية والاحتفاظ بقيمتها في حسابات سرية، أو تساوم أصحابها من أجل ابتزازهم والحصول منهم على أكبر قدر ممكن من الأموال، وأحيانا ما تحتفظ بملكيتها للعقارات، وتحولت "ستاد" خلال السنوات الأخيرة إلى إمبراطورية اقتصادية عملاقة يسيطر عليها شخص واحد هو "خامنئي"، وبلغت قيمة أصولها على الأقل 95 مليار دولار، وما يصح في "ستاد" يصح كذلك في "بونياد" وهي مجموعة مؤسسات خيرية معفاة من الضرائب بملايين الدولارات تدار لمصلحة رجال الدين، ويصح ذلك أيضاً في حال الحرس الجمهوري الإسلامي الذي يسيطر على 15% من الاقتصاد الإيراني.

أحد أسباب فشل تخفيف العقوبات على إيران في تليين موقف النظام الإيراني هو أن المستفيدين من العلاقات التجارية مع شركاتٍ أجنبية هم أنفسهم الأكثر استثماراً في بقاء النظام وبنيته التفضيلية، ولكن كل ذلك يعني أيضاً أنّ النظام الإيراني هشٌّ لسهولة اتهامه بممارسة سياسة "الخبث"، فالحركات الإسلامية كلّها في إيران تتخذ من مفهوم العدالة شعاراً أساسياً لسياساتها، وكلّ هذه الحركات تخالف الشعار المرفوع وتضرب به عرض الحائط، ومشكلة النظام الإيراني هي أنه أمضى 40 عاماً وهو يظهر للعالم هذا الخبث والرياء علناً. بوسع الغرب استغلال نقطة التناقض هنا، لقد طالب كين واينستن من معهد هدسن الحكومة الأميركية بالكشف عن تفاصيل ملايين الدولارات من الأصول المسروقة من المرشد الأعلى والنظام الإيراني، يجب فضح هذا النظام في خبثه وكذبه علناً، أما الفكرة الثانية فهي من مارك ديبويتس من معهد الدفاع عن الديمقراطيات، والذي طالب بوضع "ستاد" والمؤسسات المتفرّعة عنها تحت نظام العقوبات الأميركية بتهمة الفساد، وقد قام أوباما بذلك نوعاً ما في عام 2013 للضغط على النظام الإيراني في فترة صياغة الصفقة النووية.

في عام 1982 أثنى رونالد ريغان على "حركة بولندا للتضامن" لأنها بقيت "غير خاضعة لقمع النظام بشكلٍ استثنائي". يصحّ ذلك في الإيرانيين اليوم، وإذا أراد الغرب أن يساعد هؤلاء الإيرانيين فعليه أن يستغلّ التناقضات الداخلية التي تشكل نواة النظام القامع للشعب ولتطلعاته المحقّة.

* برات ستيفنز

* «نيويورك تايمز»

back to top