خارج السرب: ليتنا في الفهم غرب

نشر في 03-01-2018
آخر تحديث 03-01-2018 | 00:09
الغرب هو الوحيد حاليا الذي فهم «الغمندة الطبيعية» فتعامل معها بحسب قوانينها، ووفر وسائل مجدية تحفظ لماء استقراره درجته المثالية، وسائل مثل مرشات الديمقراطية التي تلطف أجواء الصراع السياسي الحارة، ومظلات الدساتير التي تحمي رأس المجتمع من ضربة شمس الطغيان اللاهبة، ومثلجات الحريات العامة.
 فالح بن حجري تلعب الطبيعة مع المواد دور شرطي المرور الحازم، فهي لديها قوانين تلتزم بها وترفض خرقها من قبل أي مادة مهما كانت، مثلا الماء ورغم مكانته الأرستقراطية الأرضية تسمح له الطبيعة بمساحة حركة معينة تمتد فقط من درجة 1 سيليزي إلى 99 سيليزية، وفي حال تخطاها فلن تجامله وستضع فورا "فلشر" قوانينها لتلاحقه وتفرض عليه الجزاء المناسب، عند درجة 0 سيليزي ستحوله إلى إدارة المادة الصلبة للتحقيق معه بصفته جليدا منحلا لصفة سائل، وستوجه له تهمة تخطي درجة التجمد تحت تأثير "الصفر" وغالبا ما سيُنفى بعدها للقطب الشمالي أو القطب الجنوبي أو يحتجز في أقرب ثلاجة حتى يأتي ظمآن ابن حلال فيكفله، أما عند وصوله إلى درجة 100 سيليزية فسيتركب هنا مخالفة تخطي حواجز درجة الغليان المحظورة، والتي سيركب من جرائها أول طائرة بخار ستنقله إلى منفاه في معسكرات الغيوم ليقضي هناك مدة حبسه المقررة حتى يأتيه الإفراج المطري والممهور بإمضاء البروق والرعود.

والطبيعة وقوانينها لا تشمل المواد فقط، بل تتخطى ذلك إلى قوانين الكون الأخرى ومن ضمنها السياسة، ففي السياسة هناك أيضا درجات غليان وتجمد وحتى انصهار، درجات تنتظر طويلا تحت سطور السياسات حتى تتحقق شروطها لتنهض فجأة وتفرض نفسها على الأحداث، حادثة البوعزيزي مثال صارخ على الوصول إلى درجة غليان استدعت تدخل الطبيعة الحاسم، لتفرض تغيرا درامتيكيا على مجتمع فشلت وسائل التبريد والتنفيس منذ الثمانينيات في خفض درجة حرارة مشاكله الاقتصادية الملتهبة، البوعزيزي دشن بجلده المحروق مرحلة الغليان فتدخلت الطبيعة وفرضت قوانينها ليتبخر النظام ويتحول عصر بن علي إلى سحابة صيف مرت على تاريخ تونس، الأمر ذاته حدث في مصر وفي اليمن وفي سورية، وكما تجلى مؤخراً في أحداث إيران الأخيرة التي سيكون مثلها بالتأكيد في القابل من الأيام في دول العالم الثالث ما دامت لا تُلقي بالا لحالات الطبيعة وقوانينها، وتترك الدرجات تسرح وتمرح على مسرحها السياسي.

وللأمانة التاريخية الغرب هو الوحيد حاليا الذي فهم "الغمندة الطبيعية" فتعامل معها بحسب قوانينها، ووفر وسائل مجدية تحفظ لماء استقراره درجته المثالية، وسائل مثل مرشات الديمقراطية التي تلطف أجواء الصراع السياسي الحارة، ومظلات الدساتير التي تحمي رأس المجتمع من ضربة شمس الطغيان اللاهبة، ومثلجات الحريات العامة التي ترطب لسان الآراء وتحميها من جفاف الرأي الأوحد، وألحفة القضاء التي تدفئ بحضنها الحقوق المرتجفة من شتاء الجور وزمهرير الفساد، فهم الغرب كل هذا فليت شعري ليت كل هم هذا الشرق كان في الفهم...غرب.

back to top