الأزمة الخليجية وأطروحة الإسلام المعتدل

نشر في 16-12-2017
آخر تحديث 16-12-2017 | 00:04
 مبارك الجري منذ مايو الماضي حتى الآن، لعبت الأزمة الخليجية دوراً جوهرياً ورئيساً في تشكيل عقل المواطن الخليجي وتفكيره إزاء مصطلح "الأزمة" في فترة زمنية سريعة شهدت تحولات في الخطاب وبنية الثقافة الخليجية التي لا علاقة لها بموضوع التطور الطبيعي، فضلاً عن تداعياتها السيسيولوجية والسياسية في حقبة إقليمية مضطربة وغير واضحة المعالم. إن مدخلات هذه الأزمة لا تقارن بمخرجاتها، وهذا يعكس في الواقع مأزقاً وخللاً في موضوع إدارة الأزمات.

ساهم الدين الإسلامي بتشكيل هوية وثقافة غالبية المجتمع الخليجي بطرق متنوعة وعبر أدوات عديدة تدخل في موضوع "التنشئة" بمفهوميها التعليمي والاجتماعي واللذين يغذيان بشكل مباشر التنشئة السياسية بنهاية الأمر، حسب مفاهيم وأطروحات علماء الاجتماع السياسي، وأبرزهم: أنطوني أوريم، ودور كايم، وتيودود نيو كامب، وتشارلز ماريهام.

لاشك أن أفهام المجتمع للإسلام ليست واحدة، وهذا ما أدى إلى إنتاج أفكار وقراءات عديدة، لا سيما في ظل التطور التكنولوجي الراهن وسهولة الوصول إلى المعلومة التي غيرت مفهوم الاحتكار للمعرفة كما كانت في العقود السابقة. وبالرغم من أصالة فكرة الاعتدال في الدين الإسلامي تاريخياً، وأقصد بذلك حقبة الرسول، عليه الصلاة والسلام، في المقام الأول، فإنها تستخدم الآن بمنزلة أطروحة جديدة في المستوى السياسي – الداخلي والخارجي – والتعليمي والاجتماعي والتنشئة بشكل عام، بل إنها طُرحت كحل للأزمة الخليجية، وخصوصا في مواجهة الإرهاب أو الحركات المتطرفة أو كل ما له علاقة بالعنف.

قبل التجديد والتحول إلى الإسلام المعتدل، على أي فكرة كان قائماً؟ وكيف كانت طبيعة عمل أدوات التنشئة المسؤولة الأولى عن تشكيل ثقافة المجتمع (وخصوصاً السياسية)؟ وهل تعتبر الأزمة الخليجية السبب الرئيس والوحيد في تفعيل دور الاعتدال؟ وكيف تم احتواء الأزمات الخليجية السابقة وبأي أطروحة؟

الخطابان السياسي والإعلامي في الأزمة الخليجية الراهنة لا يعينان على حلها، ولا يساعدان على تمكين الإسلام المعتدل من ممارسة أدواره. ويمكن القول إن هذين الخطابين وما يحملانه من مشاريع فكرية جديدة طوال فترة الأزمة، ساهما في إنتاج أزمة أخرى، وهي مأزق الثقافة والخطاب المجتمعي والتي لن تتعافى بمجرد مسكنات اجتماعية وفي مقدمتها "حب الخشوم" كما يعتقد البعض.

يحمل الإسلام المعتدل في قلبه حلول الأزمة الخليجية وتعقيداتها السياسية والاجتماعية، واستمرارها هو التطرف بعينه. نحن الآن أمام مرحلة صعبة (الأزمة) الخاسر الوحيد فيها هو المجتمعات الخليجية، إن استمر تصعيدها الذي شمل أيضاً المجال الرياضي!

لقد كشفت هذه الأزمة عن علاقة اجتماعية هشة سهلة التشكيل وفق رؤى سياسية غير ثابتة وسريعة التحول والتغيير، والتي تطرح فهماً مختلفاً للوسطية والاعتدال الذي لا يحتاج فقط إلى مؤسسة دينية لتبنيه أو خطاب إعلامي يبشر به أو نخبة سياسية مسؤولة عنه، بل هو في أمس الحاجة إلى عقول تترجمه إلى أفكار يمكن ممارستها واقعياً في المسألة التعليمية والسياسية والاجتماعية لمعالجة خلل التنشئة وأدواتها (الأسرة، المدرسة، الإعلام)، والتي تعتبر المسؤولة الأولى عن إنتاج ثقافة لها القدرة على حل مثل هذه الأزمات.

back to top