التفاوض بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي على أرض مستوية

نشر في 01-12-2017
آخر تحديث 01-12-2017 | 00:04
لا شك أن الشراكة بين ألمانيا وفرنسا تبقى الائتلاف الاستراتيجي الأكثر أهمية في أوروبا اليوم، لكن هذه الشراكة تشكّل أيضاً سبب الخلافات السياسية والاقتصادية التي تقسّم أعضاء الكتلة الجنوبيين والشماليين، إذ كان يكفي في السابق التوصل إلى توافق بين باريس وبرلين لإنجاز المسائل في الاتحاد الأوروبي.
 ستراتفور . اعتمد الاتحاد الأوروبي منذ ولادته على تحالف بين فرنسا وألمانيا، وبعد الوحدة الألمانية طالبت فرنسا بابتكار اليورو كوسيلة أخرى لتعزيز روابط باريس ببرلين، ولكن خلال العقد الماضي تبدّلت هذه العلاقة، فتحوّلت ألمانيا في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008-2009 إلى القوة الاقتصادية والسياسية الأكثر أهمية في الاتحاد الأوروبي، في حين كانت فرنسا تتخبط مع اقتصاد متراجع وسلسلة من القادة غير المحبوبين وغير الفاعلين.

لطالما قلقت فرنسا حيال بروز ألمانيا، وقد تكون هذه المرة الأولى في هذا العقد الذي تُعتبر فيه فرنسا في موضع يسمح لها بالسعي إلى التوصل إلى علاقة أكثر توازناً مع برلين، عاود اقتصاد فرنسا النمو، وبرهن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يتمتع حزبه بأكثرية راسخة في الجمعية الوطنية، عن استعداده لاتخاذ التدابير اللازمة لجعل ذلك النمو أكثر استدامة، كذلك لم تحظَ رؤيته لإصلاح الاتحاد الأوروبي بدعم الناخبين الفرنسيين فحسب، بل أيضاً دول أوروبا الجنوبية.

رغم ذلك تواجه أجندة فرنسا هذه عقبات عدة: أولاً، لا يتمتع حلفاء باريس في أوروبا الجنوبية بأي قدرة على إعادة صوغ الاتحاد الأوروبي، فستعقد إيطاليا انتخابات عامة في مطلع عام 2018، وقد توصِل هذه الانتخابات إلى السلطة أحزاباً تكون أكثر استعداداً للصدام منه للتفاوض مع الكتلة، ومع أن إسبانيا تشكّل أحد الاقتصادات الأسرع نمواً في القارة، تصب حكومة الأقليات في مدريد كل اهتمامها على الحفاظ على وحدة أراضيها ولا تكترث راهناً بالتمتع بصوت قوي في الاتحاد الأوروبي. أما البرتغال، فهي أصغر من أن تؤثر في شؤون الكتلة رغم معدل نموها الجيد، ولا تزال اليونان ترزح تحت عبء برنامج الإنقاذ.

علاوة على ذلك، لا يبدّل الغياب المؤقت للمناظرة بشأن القارة في ألمانيا أولويات هذا البلد الاستراتيجية في أوروبا الشمالية، وعلى غرار برلين تعتقد الحكومات في أوروبا أن من غير الممكن تطبيق تدابير تشاطر المخاطر إلا إذا طوّرت القارة أيضاً أساليب أكثر فاعلية لمراقبة سياسات الدول الأعضاء المالية. يظن عدد كبير من قادة أوروبا الشمالية أن قواعد الكتلة المالية تُنتهك غالباً وأن المؤسسات المكلّفة بتطبيقها مسيّسة جداً. في المقابل تعتقد دول أوروبا الجنوبية أن متطلبات الكلتة المالية تعسفية وصارمة أكثر من اللازم، وتعتبر الإنفاق العام أداة لتحفيز النمو وإبقاء الاضطرابات الاجتماعية تحت السيطرة.

بالإضافة إلى التفاوت الاقتصادي ووجهات النظر المختلفة هذه، يعوق التنوع المتنامي بين أعضاء الاتحاد الأوروبي التحالف الفرنسي-الألماني، فقد أضحت هذه الكتلة أكثر تعقيداً وتشابكاً وأكثر اختلافاً أيضاً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. نتيجة لذلك كثُرت التحديات التي تصطدم بها وحدة القارة، فلا تعني العودة إلى النمو الاقتصادي في منطقة اليورو غياب المخاطر عن منطقة العملة الموحدة هذه، فما زالت المصارف الإيطالية تملك عدداً كبيراً من القروض المتعثرة في ميزانياتها العامة، كذلك تحتاج اليونان إلى المساعدة للتخفيف من عبء الدين.

لا شك أن الشراكة بين ألمانيا وفرنسا تبقى الائتلاف الاستراتيجي الأكثر أهمية في أوروبا اليوم، لكن هذه الشراكة تشكّل أيضاً سبب الخلافات السياسية والاقتصادية التي تقسّم أعضاء الكتلة الجنوبيين والشماليين، فقد كان يكفي في السابق التوصل إلى توافق بين باريس وبرلين لإنجاز المسائل في الاتحاد الأوروبي، ولكن في السنوات المقبلة سيُضطر الفرنسيون والألمان إلى معالجة قضايا تتخطى مصالحهم المشتركة وخلافاتهم المعتادة، وسيظل التعاون الفرنسي-الألماني بالغ الأهمية لمستقبل أوروبا، ولكن هل يكون كافياً لإبقاء القارة موحدة؟ هذه مسألة أخرى.

* أدريانو بوسوني

*«ستراتفور»

back to top