مجالس الطلبة ليست سوى «عوار راس»!!

نشر في 21-11-2017
آخر تحديث 21-11-2017 | 00:07
 ماجد سلطان المصادفة وحدها جعلتني، وأنا ذاهب إلى مدرسة ابني المتوسطة لمرافقته لمراجعة طبية، أشهد استعدادات مدرسته لانتخابات مجلس الطلبة، ففي غرفة الاختصاصي الاجتماعي كان صندوق الاقتراع جاهزاً، وقد نشرت أوراق لصقت على أعمدة وجدران المبنى المدرسي بأسماء المرشحين وبرامجهم الانتخابية وشعارات انتخابية تمثل تطلعات الطلبة في المدرسة. يومها فرحت وحزنت في الحين ذاته، أما فرحي فهو لأن ابني في مدرسته المتوسطة وفي سن مبكرة يمارس ويتعلم خلال أسلوب حياة مجتمعه، بل أسلوب حياة جميع المتحضرين والمجتمعات المتقدمة، باختيار من يمثلهم، وسيتداول هو وزملاؤه من خلال النقاش والحوارات وحشد الأنصار أبجديات العمل التنظيمي اللازمة كمهارات له ولزملائه في الحياة لاحقاً.

وحزنت، وأنا المعلم في مدرسة ثانوية، أن الطلبة لا يمارسون فيها هذا النشاط، وهم الأكبر سناً والذين- إذا كانوا في الصف العاشر أو الحادي عشر لاحقاً- سيدرسون مقرر مادة الدستور وحقوق الإنسان في الصف الثاني عشر بقسميه، إلا أنهم حرموا من ممارسة هذا النشاط؛ لأن الإدارة المدرسية عندنا لا تؤمن بهذا النشاط، ولا تثق ربما بطلبة مدرستنا لتمنحهم حقهم في ممارسة هذا الدور واختيار من يمثلهم في مجلس الطلبة الخاص بهم. وكنت قد طرحت هذا الموضوع دون أن أجد إجابة مرضية، ولهذا فإن الإدارة المدرسية عندنا هي من يقوم باختيار من يتوافق مع هواها وتراه مناسباً لتمثيل الطلبة في مجلس الطلبة.

أذكر هنا أنني منذ سنوات مضت اختلفت مع مدير مدرسة، وكان أحد أسباب انتقالي منها حول تصوره لانتخابات الطلبة ومجلسهم، إذ يرى أن هذا النشاط الطلابي ليس أكثر من «عوار راس»، ولذلك فإن هذا وأمثاله كثر يرون أن هذا النهج هو الذي يجب أن تمارس به الكويت إدارة أمورها في كل منظوماتها، ومنذ نشأتها باختيار أول حاكم لها، والانتخابات التي تجري في الجمعيات والأندية والمجالس سواء البلدي والأمة أنها ليست سوى «عوار راس».

فهذا المدير والآخر الذي أعمل الآن تحت إدارته وغيرهما ممن يديرون المدارس يريدون أن يشكلوا مجالس الطلبة على هواهم دون إعطاء أي اعتبار لإرادة الطلبة في تقرير شكل هذا المجلس ومن يمثلهم فيه، فالطالب يجد أن هناك من يمثله بمجلس طلبة المدرسة والمنطقة التعليمية دون أن يمارس دوره فيه، وأنه تم من خلال اختيار مكتب الاختصاصي الاجتماعي والنفسي والإدارة التي لا تكترث لهذا النشاط، وتريد تحقيقه كيفما اتفق لها، ويبعدها عن أجواء هي لا تؤمن بها فيما يبدو. وأعتقد أن هذا التوجه، وهناك الكثير مثله، يكشف بعض ما يجب التشديد عليه من حيث الرقابة والمتابعة في ظل السعي إلى منح الإدارات المدرسية الحرية والاستقلالية في إدارتها للشأن التربوي كيفما اتفق لها، ففي الوقت الذي يجب أن يمارس فيه الطلبة هذا الحق، وهي الممارسة العملية المطلوبة لتحقيق هدف تربوي وتعليمي لمادة علمية سيدرسها الطلبة لاحقاً وسيمارسونها كمواطنين في الحياة العملية خارج أسوار المدرسة، نجد الإدارات المدرسية تتصرف على هواها، وقد حرصت المناهج التربوية على ربط المادة العلمية بالبيئة والأحداث الجارية وغرس القيم، وإن ممارسة الطلبة والطالبات لهذا (النشاط/ الحق) ستعلمهم أبجديات حياتهم في سن مبكرة، وهو النهج الواجب في ظل الإدارة التربوية الديمقراطية لا الدكتاتورية، والكيفية الواجبة عليهم لإدارة شؤونهم بتحقيق عملي في المدرسة لهذا الهدف التربوي وممارسته.

كما أن ممارسة الطلبة لهذا النشاط على صعيد المدرسة بكل أجواء الانتخابات وفعالياته من حيث التنافس والمناقشات واستقطاب وحشد الأنصار ستساهم في إضفاء أجواء من النشاط الخاص الذي سيرتبط في ذاكرتهم، وسيصقل ويبرز منذ سنوات الدراسة الأولى القيادات السياسية والإدارية المستقبلية، ألسنا نقول: من المدرسة ظهرت جميع المواهب وكذلك القيادات؟! إلا أن هذا المدير وأمثاله ونتيجة لضيق أفق وقلة دراية بالآثار المترتبة على هذه الممارسات على الطلبة وعلى شرعية كيان مجلس الطلبة الذي سيكون ممثلاً لهم بتكوينه الصحيح، يصدرون عليهم حكما مسبقا بتكوين مجلس على هوى الإدارة.

أعتقد أن ضيق الأفق وقلة الدراية هما نتيجة حكم مسبق مبني على تجارب سيئة لم تكن قائمة على أساس صحيح، ولحادثة هنا أو هناك، مع أنه يندر وجود حوادث مثل هذه تجعل الواحد عازفا عن هذه الممارسة ومؤيداً لمنعها أو حتى تغيير مسارها، وأعتقد أن إدارة حصيفة مؤمنة بالديمقراطية وقواعدها قادرة على تنظيم العملية الانتخابية للطلبة، بحيث يخرج منها كل ما هو مفيد. كما أدركت حينها تماماً موقف الإدارات هذه التي تدير مدارسنا، وتلك التي ستكتفي بتلقيننا التعليمات الإدارية والتوجيهات المطلوبة دون أي اهتمام لآراء الآخرين في مجلس إدارة المدرسة، فهذه التي لا تريد للطالب أن يعبر عن رأيه تفعل ذلك خلال اجتماعات مجلس الإدارة، بل تغضب إذا ما ظهر رأي غير ما تراه، أو حاول تصحيح مسار حاولت المضي به لمجرد أنها هي صاحبة التقدير لسلطاتها. ربما سيدرك ابني لاحقاً لماذا رفضت طلبه حينما سألني عن رغبته في الانتقال إلى المدرسة التي أعمل بها، وأنه ربما في مكان آخر وفي ثانوية أخرى سيكتسب خبرات أكثر مما هي في مدرستي التي لن تضيف شيئاً له من الخبرات المطلوبة، طالما بقيت التوجهات فيها على النحو الذي أراه فيها.

back to top