إنهم يسرقون الجَمال!

نشر في 18-11-2017
آخر تحديث 18-11-2017 | 00:02
 عبدالهادي شلا لم تحظَ لوحة في عالم الفن بالنقد والكتابة عنها بالتحليل والبحث مثلما حظيت لوحة "الموناليزا" أو كما يطلق عليها البعض اسم"الجوكندا"، التي رسمها العبقري الإيطالي ليوناردو دافنشي بين عامي 1503-1510 م، والذي لم يكن فنانا فقط بل كان مهندسا وعالم نبات وخرائط وجيولوجيا وموسيقياً ونحاتاً ومعمارياً وعالماً إيطالياً مشهوراً.

تعتقد الأكثرية أن المرأة في هذه اللوحة هي "ليزا جيرارديني، من مواليد عام 1479، وزوجة فرانشيسكو بارتولوميو ديل موناليزا، ومن هنا جاء اسم "الموناليزا".

ما أهمية هذه اللوحة فنيا؟ يرى البعض أن ابتسامتها تعبر عن حزن شديد، ويرى آخرون أن هذه الابتسامة هي ابتسامة والدة دافنشي نفسه، وأنه أحضر مهـرجاً يقوم بأعمال بهلوانية أمامها حتى تحافظ على هذه الابتسامة... إلى جانب أقاويل كثيرة لم يتأكد الكثير منها.

لِمَ نكتب عنها بإيجاز رغم شهرتها التي فاقت كل حديث عن أي لوحة منذ عصرها؟

تستقر اللوحة الآن في متحف "اللوفر" الفرنسي بعد عدة محاولات لسرقتها كان آخرها عام 1911 وبيعت في إيطاليا ثم استردتها فرنسا بعد محاولات مضنية كادت تودي بقطع العلاقات بين البلدين. وليست هذه هي اللوحة الوحيدة التي تمت سرقتها من متحف بل هناك الكثير من اللوحات لفنانين عظام بعضها تمت استعادته وبعضها لم يتم حتى الآن.

نكتب عنها وعن غيرها كمثال لما يجري بعيداً عن سمع وأعين غير المتابعين لكن لهم اهتمامات بسيطة بالفنون التشكيلية، غير أن ذلك مهم جداً عند الفنانين أصحاب الشأن والذائقة أيضا.

نسمع عن كثير من التجاوزات بحق الفن التشكيلي الرفيع من كثير من أدعياء الفن الذين وجدوا مساحات متعددة الأشكال كي يفردوا أجنحتهم لتسويق أعمال هابطة تحت مسميات عدة، أقلها مسمى التجديد، الفقير في جديته مما يفسد جمال الفن والذائقة الفنية لدى المتلقي.

ولأننا نسمع عن كثير من سرقة أفكار الفنانين الكبار ونقل لوحاتهم وتسويقها باسم "السارق"، فذلك ربما بات يشكل ظاهرة يشتكي منها عدد غير قليل من الفنانين التشكيليين. لا يمكننا تصور النتائج الناجمة حين يجد فنانا أن إحدى لوحاته المقـلدة بدقة بيعت في معرض باسم فنان آخر.

إنه أمر يفتح الباب على قضية أخلاقية قد لا يتحمل ذلك الفنان شدتها حتى يتخذ فعلاً عكس كل التوقعات، إن لم يتماسك نفسه ويرفع الأمر إلى القضاء.

الأعمال الفنية التي تحمل مقومات البقاء في عالم الخلود هي تلك التي يسهر عليها الفنان ويرعى تطورها مع كل لمسة فرشاة ولون وبهدف فني وفلسفة تقود إلى سمو الذائقة وتسجيل مواصفات مرحلة زمنية لتبقى إرثا خالداً يرجع إليه كل من أراد البحث والتعـلم، وليست الأعمال المقلدة أو المنسوبة لغير صاحبها.

لذلك يطالب الفنانون بقوانين لحماية الخصوصية الإبداعية كما يطالب معهم كل المبدعين، لاسيما أن العالم وقد أصبح قرية صغيرة بات من السهل فيه السطو على كل ما يمكن الوصول إليه عبر استخدام التقنيات الحديثة ووسائلها المتعددة التي يمكن اختراقها من قبل المتخصصين والعارفين بأسرارها ولديهم برامج تقنية عالية في تحقيق غرضهم.

back to top