رفقا بـ«الرقي»

نشر في 17-11-2017
آخر تحديث 17-11-2017 | 00:06
 تهاني الرفاعي اعتدنا أن نشاهد في الدول الأجنبية صورا مختلفة في الأزقة والطرقات من الفنون الفردية التي تُقدم بطريقة مميزة للفت انتباه المارّة، كلٌ حسب هوايته التي لا يختلف اثنان على روعتها.

فكرامة أولئك أبت أن يمدوا أيديهم لطلب المال، فـصنعوا من حاجتهم فناً يُبهر كل من يمر من أمامهم، حتى أنك أحيانا تحتار كم يستحق من "البقشيش" ذاك الذي جعلك تبتسم أو تطرب أو تندهش من روعة ما يقدمه، حتى باتت "أكشاك" أولئك الأشخاص ضرورية لدرجة أنها تحولت إلى معالم سياحية يستحيل عليك كمسافر أن تمر مرور الكرام عليهم دون الوقوف عندهم لبرهة.

الحاجة ليست عيبا لكن العيب أن تستغل ضعفك وقلة حيلتك في لفت انتباه الناس وكأنك تستعطفهم، كمن يُبالغ في تكنيس الرصيف كلما اصطف أحدهم بسيارته بالقرب منه، أو من يحرص على الانكسار أمامك بتعابير وجهه ليثبت لك أنه لا حيلة له، أو ذاك الذي يظن أن فعل الخير مقرون بعطاء مادي، ففي أثناء رجوعك بسيارتك للوراء في أحد الأماكن يركض نحوك أحدهم ليؤشر فقط بيديه وكأنه يوجهك آملا أن تقدر جهوده ببضعة فلوس، ثم يعطيك نظرة استياء إذا ما مضيت بسيارتك دون الالتفات إلى بطولته!

هم لا حول لهم ولا قوة، لكنهم لا يعرفون طريقا للابتكار عدا السؤال أو الاستعطاف، أما بائع الرقي أو الحبْحبْ بالسعودي (البطيخ بالعربي) فلم يجد أمامه سوى أن يبيع بكرامة فاكهة تُعد أكثر الفواكه طلبا في الخليج، خصوصا في فصل الصيف.

فلم يلجأ إلى سُبل الشحاذة (المُزعجة) تلك التي ذكرناها، بل اشترى بإمكاناته المتواضعة ما يُحبه الشارع الخليجي كفاكهة موسمية مطلوبة، ولم يقتحم أماكن خاصة أو سكنية لعرض بضاعته، ولم يتجول بين المحال التجارية لفرض بطيخته على كل من حوله، ولم يستهدف مواقف السيارات للإلحاح عليك بشراء بطيخة أو نصف بطيخة!

هو يبيع ما قد تودُ أنت شراءه بـ"كرامة" و"عزة نفس"، عارضا إياها بسيارته البسيطة التي تفي بالمطلوب، ككثيرين ممن يبيعون فواكههم الموسمية في شوارع الدول الأجنبية، مع فارق المعطيات المحيطة.

ما عساهم أن يفعلوا الآن بعد حظر بيع "الرقي"؟ وكيف سيتصرف من لا رزق له عدا "بيع البطيخ"؟ كان الأجدى بمن أزعجه منظر الرقي أن يخصص مكانا معينا لهم، مع توفير أكشاك ريفية جميلة ليعرضوا ما يشاؤون من فواكه تسرُ المارة والناظرين، بدلا من تهديدهم بالغرامة وقطع أرزاقهم!

في النهاية الموضوع فاكهة جميلة لا تستدعي كل ذلك الوعيد، ورفقا بمن لم يُعطه القدر حظا وافرا، ورفقا بمن لا يكاد يُغطي أرجله بـلحاف كرامته، ورفقا ببائع البطيخ وكل من له رزق بسيط جدا يسترزق منه لعائلته وأسرته، نعم رفقا بهم يا دولة الإنسانية.

back to top