الحاج حسن الحرامي

نشر في 09-11-2017
آخر تحديث 09-11-2017 | 00:00
 د. أيمن بكر يعرف الرجل أن الناس تسميه هكذا: «الحاج حسن الحرامي» بل يسمعها بأذنيه أحياناً، ولم يجاوز رد فعله ابتسامة لزجة تعلن عدم الاهتمام. هو بائع مواد تموينية، ويعرف الجميع أنه لا يوفي الميزان، وأنه يستولي على جزء من المواد الغذائية المدعمة ليبيعها في السوق السوداء. ولهذا سمي بالحرامي. أما لقب الحاج الذي يسبق اسمه فليس منحة من أحد، ولا قُصد منه السخرية، لأن الرجل بالفعل لا يفوّت سنة من دون أن يذهب لأداء مناسك الحج.

ولكن كيف استقام الأمر في عقل الحاج الحرامي؟ أية معادلة عجيبة جعلته لا يشعر بالتناقض بين حجه السنوي والسرقة التي لم يسع يوماً إلى إنكارها؟ ربما تكمن الإجابة فيما سمعت منه ذات مرة حين كان يرد على شخص لمزه بالكلام: «الحج يغسل الذنوب ويعود الإنسان منه كيوم ولدته أمه، وأنا سنوياً أحج، يعني كل ذنوبي تمحى أولاً بأول، وبعد أن أسلم الدكان لابني ستكون حجتي الأخيرة وربنا يسلم».

تذكرت حالة الحاج حسن الحرامي مرة وأنا أشاهد شخصاً ملتحياً يضع نسخة من القرآن الكريم في واجهة سيارته، وهو يندفع من يمين صف السيارات الواقفة بانتظار الدوران إلى الخلف ليسرق دور غيره، ومرة أخرى حين سحبت ورقة طالبة منقبة وهي تغش في الامتحان، ومرة ثالثة وأنا أستمع إلى فتوى غريبة تحرم الذهاب لصلاة الجمعة بسيارة مستأجرة، ورابعة حين تستخدم آيات القرآن في مواضع لا تليق بها، كأن نجد على واجهة أحد المطاعم: {وكلوا من طيبات ما رزقناكم»، أو على حائط محل للعصائر {وسقاهم ربهم شرابا طهورا}، وغير ذلك الكثير.

هكذا تنفصل الفروض الدينية عن غاياتها ويتم تفريغها من قيمها الروحية والأخلاقية فتصبح ممارسات جوفاء، الصلاة تصير حركات والصوم جوعاً وعطشاً، والحج شعائر. الغاية العملية الخفية من تأدية الطقوس بعدما تم تفريغها من محتواها الروحي والأخلاقي هو أن يمتلئ الفرد الذي يؤدي الشعائر بتوازن واطمئنان ورضا عن النفس، يستخدمها جميعاً في مواجهة العالم بمزيد من الأنانية وسوء المعاملة والعنصرية.

تبخر معظم الطاقة الروحية للدين من قلوب الناس منذ استخدم أداة للأغراض السياسية والمكاسب التجارية والاجتماعية، تذوقنا مرارة التدين الشكلي في حياتنا لدرجة الاعتياد، فألفنا نمط الموظف المرتشي الذي لا يفوت الصلاة في المسجد ليستهلك وقت العمل، ونوعية التاجر اللص الذي يصوم رمضان ويمدّ موائد الرحمن بصورة دعائية فجة، والمدرس صاحب علامة الصلاة على جبهته الذي يملأ كلامه بـ “إن شاء الله وسبحان الله”، وهو لا يوفي حق طلابه في المدرسة ليجبرهم على الدروس الخصوصية.

ساد التعامل الشكلي التجاري مع الدين بوصفه معادلة حسابية يحكمها منطق الكم: بكم سيئة تدين، وكم لديك من حسنات يذهبن السيئات. إن ما فهمه الحاج حسن الحرامي عن الحج هو أنه يمحو ما قبله من ذنوب، وأنه سيعود كيوم ولدته أمه أياً كانت نواياه. واستمراراً لتدينه الشكلي، سمعته مرة يقول لأحد الزبائن المتكاثرين على دكانه:

• صليت في الحرم مائة وخمساً وسبعين مرة، كل صلاة بمائة ألف صلاة، انظر كم أصبح رصيدي الآن؟؟!!

back to top