الحب في زمن الحرب!

نشر في 09-11-2017
آخر تحديث 09-11-2017 | 00:00
 مسفر الدوسري «إنها الحرب»

نفخها في وجهي في نهاية مقطع «يوتيوب»، الذي كان يتحدث فيه بختام تحليله السياسي عما يدور من أحداث في المنطقة.

حين نفخ جملته النارية تلك، أول ما رأيت وجهك، فصرخت بكل ما تحبلُ أمهات التعاويذ: الحب!

أقولها وأنا أنظر في عينيك المحملتين دائماً بالسلام، فتروعني أصوات الطبول التي تلف سمعي، وتخنقني سخونة الفضاء، إلى الحد الذي أصبح الناس حولي يتنفسون اللهب، فأحتمي بماء ذكرى نظرة من عينيك في أول لحظة صباح نسجت خيوطه الأولى عينانا معاً على وسادة!

ويرتفع الصوت أكثر، وربما أكثر فظاظة: إنها الحرب، انظر حولك، انظر كيف تُغزل جهنم، بينما أنت تحاول أن تجنّح قطرة حب،

فأنطر حولي، فإذ بالناس من حولي من بعد رشوة المدى، الكل مشغول بالحديث مع جمرة بين يديه، يوجهها ويلقنها أمراً، الكل يُملي تعليمات لناره، ولم يكد ينجو من المنظر أحد، أيقنت «أنها الحرب»!

أبناء جيلي من أبناء هذه المنطقة خبروا جيداً رائحة الحرب، أصبح لديهم حاسة ثامنة اسمها: استشعار الخيول بالزلازل!

لم أرَ الفضاء بهذا الوضوح من قبل، حتى في زمن الحروب السابقة في هذه المنطقة، لم نرَ الفضاء بهذا الوضوح إلا حينما باغتنا الوضوح!

الآن أرى الفضاء واضحا، حتى قبل أن تحدث الحرب، رأيت في كامل المشهد أنه ليس لك خيار سوى: إما أن تكون ناراً أو وقودا لها!

فأيقنت «أنها الحرب»!

أبصرت كيف تسيل الشموع، ويُرمى الورد في المواقد، وأنوار النوافذ والنجوم وعناقيد الأشجار بللور من الجمر. التفت قليلا جهة اليسار من ذلك المنظر البللوري، حيث شباك تطل منه لحظة كنا نعلّم رسوماً لنا وعلامات في الشوارع، والمقاهي، والمطاعم، والأماكن العامة التي جمعتنا معاً، ونفرح فرح أطفال بجمعها، ونفتح كتابها، لنقرأه معاً كلما أردنا أن نمرجح أرواحنا. نتسابق أنا وأنت على جمع تلك اللحظات معاً ما استطعنا.

لم نكن نختلف عنا عندما كنا نتخيل معاً تلك اللحظات، بل المدهش أنها كانت على مقاسها تماما. كنا نحن كما تخيلنا معاً، إلا أن اللحظة التي كنا ننسجها معاً بأيدينا يختلف ملمسها عن ملمس تلك التي نخيطها بخيالنا، حتى وإن كانا على نفس المقاس تماما (ونادراً ما يحدث) كهذه اللحظة التي أرانا منها الآن. كنا حينها نسمع ذات الصوت، ونرى بللور الجمر، ولم نكن نحن نشازاً عن المنظر. كنا أنا وأنت بللورا ورديا، ربما لم نكن خارج اللون تماما، لكننا مختلفان عنه. كنا نسمع صوت ذات الطبول، وكنا «نموسق» تلك اللحظة على ألحانها. لم تكن تلك «لحظتنا» نشازاً عن إيقاع المنظر، إلا أن لها طعم الغيم. لا أعرف كيف فعلنا ذلك، كيف استطعنا إلا نكون نارا، ولم نكن وقودا لها؟!

هذه اللحظة التي أتذكرنا فيها، وتلك اللحظة التي عشناها معاً متشابهتان، إلا أن الجمر الآن تكاثر بما ينبئا بعاصفة من النار...

حبيبتي عذرا من عينيك: إنها الحرب!

back to top