«عودة العاشق»!

نشر في 23-10-2017
آخر تحديث 23-10-2017 | 00:00
 مجدي الطيب قبل ساعات من إطلاق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته الخامسة والثلاثين (28 نوفمبر - 7 ديسمبر 2012)، اتخذت إدارته قراراً غريباً، وعجيباً، باستبعاد الفيلم السوري «العاشق» إخراج عبد اللطيف عبد الحميد من المسابقة الدولية، وفي محاولة يائسة من جانبها لتبرير القرار العجيب والمخجل، الذي أصاب الجميع بصدمة، قالت إن خطوة الاستبعاد جاءت «بعد التثبت من أن مخرجه مؤيد للرئيس السوري بشار الأسد، وأن الفيلم من إنتاج الدولة السورية»!

يومها لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ووضح أن الارتباك بلغ مداه مع صدور تصريح غليظ، افتقد إلى «الدبلوماسية»، وافتقر إلى «الكياسة»، على لسان وزير الثقافة آنذاك صابر عرب، أكد من خلاله أن الاستبعاد «جاء من منطلق أن للنظام المصري موقفاً ضد النظام السوري، ويرفض التعاون معه على الأصعدة كافة»!

تصريح نتخيل صدوره عن «ضابط صغير»، في جهاز أمني جديد، وليس عن وزير ثقافة خلط، بشكل معيب، بين الثقافة والسياسة، بينما كان ينبغي عليه، تبعاً لحساسية موقعه، أن يتريث، ويذهب إلى لم شمل الأشقاء، والأهم أن يربأ بنفسه عن التورط في أية مخططات لتأجيج الفتنة، وبث الكراهية، والإيقاع بين السينمائيين والمثقفين المصريين ونظرائهم العرب، وهو ما تورط فيه باندفاعه الذي أظهر نوعاً من ضحالة الوعي، دفعت المديرة الفنية للمهرجان آنذاك ماريان خوري إلى استبعاد الفيلم السوري من دون إبداء الأسباب، ربما لأنها، نظراً إلى قلة خبرتها ومحدودية وعيها السياسي، لا تملك مبررات منطقية ومقنعة!

وقتها أوهم الرأي العام، خصوصاً المثقفين والإعلاميين، أن إدارة مهرجان القاهرة اتخذت قرارها بناء على ضغوطات أمنية تقف وراءها «جهات عليا»، وهو ما تم دحضه، وتكذيبه، بعدما تبين أن إدارة المهرجان استجابت لمقال كتبه أحد النقاد، لم يكن سوى «بلاغ تحريضي» أقرب إلى «تقارير المخبرين»، أو «الخطابات الكيدية»، التي توقع باسم «مجهول». وبدلاً من أن تتعامل إدارة المهرجان مع المقال «التحريضي» بالشكل الذي يستحقه، سواء بالتجاهل أو الازدراء، كان قرارها، الذي بدا أقرب إلى الردة الخطيرة التي أصابت مهرجاناً عريقاً عُرف بمواقفه الوطنية، وتوجهه العروبي، وغيرته على وحدة الأمة العربية، وهي الأسس التي أرسى دعائمها الكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة، الذي واجه حرباً شرسة، لأنه جرؤ يوماً على افتتاح المهرجان بفيلم «ناجي العلي»، لكنه واصل طريقه، ولم يتخل عن قناعاته، وفي أحلك الظروف تبنى كثيراً من المواقف التي تعكس أهمية دور مهرجان القاهرة السينمائي في رأب الصدع الثقافي العربي، ولم شتات المبدعين العرب، ونبذ كل ما يؤدي إلى القطيعة، أو يُسهم في إذكاء الخلاف، وتأجيج الكراهية.

قفزت الواقعة إلى الذاكرة، بعدما تأكدت عودة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد، بعد غيبة دامت قرابة خمس سنوات، للمشاركة في أعمال الدورة التاسعة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (21 – 30 نوفمبر 2017)، عقب موافقته على عرض فيلمه الأحدث «طريق النحل» (إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سورية) في مسابقة «آفاق السينما العربية للأفلام الروائية والتسجيلية»، وهو الفيلم الذي كتبه بنفسه، وشارك في بطولته، ويتناول الأزمة السورية، عبر قصة حب رومانسية، تقود إلى مفاضلة بين خيار البقاء في البلاد أو الهجرة منها.

يعود المخرج العربي الكبير إلى مصر، بعدما اندمل الجرح القديم، وتحقق تجاوز الأزمة المُريبة، والمفتعلة، التي لم تخل من تجرؤ وقح، وتطاول قبيح، ومهين، كان ضحيته مخرج بحجم عبد اللطيف عبد الحميد، الذي درس في المعهد العالي للسينما في موسكو، ويُعد أحد أهم المخرجين، ليس في سورية وحدها، بل في المنطقة العربية بأسرها، إذ لا يمكن لعاشق حقيقي يعرف قدر السينما، ويفهم رسالتها وجمالياتها، أن يبخسه حقه، أو ينزع عنه موهبته، التي كان لها الفضل في احتلال السينما السورية مكانة مهمة في المحافل الإقليمية والدولية، بباقة من أجمل الأفلام التي تُشع سحراً ورومانسية وشجناً وعذوبة مثل: «ليالي بن آوى، ونسيم الروح، وقمران وزيتونة، وما يطلبه المستمعون، وخارج التغطية، ورسائل شفهية»، وكانت سبباً في أن يحصد عبد اللطيف عبد الحميد كثيراً من الجوائز الرفيعة، بأسلوب «السهل الممتنع» الذي اعتمده، وميزه عن أقرانه من المخرجين العرب، في الوقت نفسه الذي حظيت أفلامه بتجاوب كبير بين طوائف الجمهور السوري، ما شجع المؤسسة العامة للسينما في سورية للاحتفاء بأفكاره، ودعم سيناريوهاته، ووضع مشروعاته على رأس أولوياتها، وفي مقدمة خطتها الإنتاجية، وهو ما أثار حفيظة الحمقى والموتورين!

back to top