Walking Out يتفوّق على The Revenant

نشر في 22-10-2017
آخر تحديث 22-10-2017 | 00:02
لا نسمع كلمة في Walking Out قبل أن نشعر بأننا نفهم الشخصيتين الرئيستين، وعلاقتهما، وإلى حد ما، طبيعة النضال الكامن أمامهما.
وصل ولد من تكساس يُدعى ديفيد (جوش ويغينز) عمره 14 سنة لتوه إلى مطار صغير في مونتانا المغطاة بالثلوج. كان بانتظاره كال (مات بومير)، والده الذي يراه مرة في السنة.

يرفع ديفيد ناظريه عن هاتفه ليرى والده وهو يدق بعجلة على النافذة. لكنه لا يتفاعل معه بسرعة، ما يُظهر للمشاهد في لحظة تردد عدم رغبة ديفيد في القدوم إلى هذا المكان.

في وقت لاحق من ذلك اليوم، يبقى الأب وابنه بعيدين فيما يتنقلان في البرية بحثاً عن طيور الطيهوج لاصطيادها. يحاول كال كسر الصمت بأحاديث عابرة، في حين يتمنى ديفيد بصمت لو أنه كان في مكان آخر، ربما في منزله مع أمه التي لا تظهر على الشاشة إلا أنها تبعث إليه برسائل كل ساعة. ومع تطور أحداث فيلم Walking Out الجميل، يسدّ المخرجان أليكس وأندرو ج. سميث الفجوة بين الأب والابن، مقدمَين دراما عن الانفصال والتقرّب المتردد تتزامن مع قصة نجاة قوية وعنيفة.

كان كال، وهو صياد مخضرم، يتتبع أيلاً كي يتمكن ديفيد من اصطياد طريدته الأولى. يشكّل هذا طقس بلوغ كان كال يأمل بأن يمنح ولده بعض الجرأة ويعلمه أن الحياة لا تقتصر على ألعاب الفيديو وحنان أمه. فيما راحا يتوغلان في البرية، لا يصمت كال. لا ينفك يقدّم لديفيد معلومات ونصائح، ولا يكف عن انتقاده لأنه يفتقر إلى السرعة، والخفة، والانتباه. لكن كال لا يحاول إذلال ولده، بل التعبير له عن حبه بالطريقة الوحيدة التي يعرفها وتعليمه دروساً حقيقية وأساسية في الوقت القصير الذي يمضيانه معاً.

في المقابل، لا يبدو ديفيد متحمساً لقتل طرائد كبيرة مع أنه مستعد لذلك إكراماً لوالده. ولكن بعد ساعات طويلة من السير، يصلان إلى فسحة خالية من الأشجار حيث يدركان فجأةً وبقوة وعنف يقطعان أنفاسك مدى ضعفهما أمام عناصر الطبيعة، والبرية، والحظ السيئ. فينطلقان في طريق العودة إنما ببطء أكبر وألم أشد، مدركين أنهما سيكونان محظوظين إذا نجحا في العودة حيين.

لا شك في أننا في منطقة جاك لندن هنا، روحياً إن لم يكن جغرافياً. وهكذا أضاف الأخوان سميث صورة أخرى إلى مجموعة أعمالهما الصغيرة إنما المذهلة التي تدور أحداثها في موطنهما مونتانا (The Slaughter Rule وWinter in the Blood). وباقتباسهما بدقة قصة قصيرة لديفيد كامن، قدّما عملاً بسيطاً إنما عاطفياً ومؤثراً إلى أبعد الحدود لا تتجلى قوة المشاعر التي نراها فيه بين الأب والابن إلا في أصعب الظروف وأقساها.

تراكيب خلابة

تبدو تراكيب الشاشة العريضة التي يعرض فيها تود ماكمولن مشاهد الطبيعة، والتي تترافق مع موسيقى إرنست ريجسيجر الكلاسيكية المميزة، خلابة إلى حد يمسك في الصميم. لكن ما يؤثر فيك حقاً تنامي الحميمية المفاجئ: الإحساس أن الظروف المصيرية لا تولّد أعمال بطولة وتضحية ملهمة فحسب، بل ترغم أيضاً كال وديفيد أخيراً على رؤية أحدهما الآخر بكل صفاء ووضوح.

صحيح أن معاناة الأب والابن، والمخاطر الكبيرة، والمشاهد الطبيعية الخلابة، فضلاً عن دب بني يسترعي انتباهنا من حين إلى آخر، قد تذكرنا بعمل مميز آخر حاز قبل سنوات قليلة جائزة أوسكار، إلا أن Walking Out أقصر من The Revenant بنحو ساعة ويتفوق عليه في كل لحظة.

تواضع لافت

رغم أن الأخوين سميث يعملان على مستوى متواضع نسبياً، فإن هذا التواضع بالتحديد ما يمنح عملهما ذلك الطابع الإنساني المؤثر بعمق. ولا ننسى بالتأكيد رفضهما الانغماس في العنف من دون أي داع أو مبرر. كذلك نستمتع بذلك التفاعل الناجح بين الممثلين. يبدو ويغينز حاداً ومميزاً كمراهق قليل الكلام يُرغَم على بلوغ مستوى عالٍ من النضوج. أما بومر، الذي يشتهر بأدواره الأنيقة في Magic Mike وThe Normal Heart، فلا يتردد في أداء بثقة دور رجل جبال خشن يملك خبرة واسعة وتتحوّل فكرته عن الحب القاسي فجأةً إلى لطف ورقة حول نار المخيم.

قد تتمنى لو أن ذكريات كال القوية والمؤثرة عن رحلة الصيد المصيرية مع والده (بيل بولمان الاستثنائي) أُضيفت بإتقان أكبر إلى القصة، إلا أنك لا تأسف لهذه الإضافة. ففي إطار هذا الفيلم القوي والعميق، تشكّل مذكراً مؤثراً يعيدنا إلى الطفولة، ثم إلى مرحلة البلوغ، والأحزان كافة التي تقبع داخلنا ولا يمكننا محوها.

تنامي الحميمية المفاجئ بين الأب وابنه يبدو مؤثراً
back to top