تعددت النجوم والبدر واحد!

نشر في 19-10-2017
آخر تحديث 19-10-2017 | 00:00
 مسفر الدوسري في ليلة بهية غصّت بالنجوم لا نور فيها كان سوى نور البدر، ثرثرت النجوم ذلك المساء بكل ما أوتي ضياؤها من فصاحة الضوء، إلا أن كل هالات النور خبت أمام ذلك الشعاع المتسرب بجلال شهي وخجل بهي من ذلك البدر. المدهش في الأمر أن النجوم لم تكن ليلتها حزينة على ما كان يتساقط وما يتعرى من عظيم سناها، بل على العكس تماماً كانت فرِحة مبتهجة بهزائمها كمن حاز شرف النصر، كل نجم من تلك النجوم كان يتمنى في قرارة نفسه لو أن أتيح له ذاك المساء أن يكرر هزيمته مرة تلو أخرى، وقليل من تلك النجوم كان محظوظاً، إذ حظي بذلك المجد!

كرنفال الهزائم المجيدة كان عنوان ذاك المساء، فقد نُظِمت المدائح خرزاً بلورياً في خيط حريري من الحب علّقت في جيد الليل، وتنفس الهواء عطر الأغاني والذكريات الموشومة في صفحات القلوب، وامتلأت جيوب الفرح بحلوى العيد، وتندّت المآقي بماء الورد، والصدور بماء الورد!

تحلقت النجوم تلك الليلة حول بدرها كطفولة تتهجأ أبجدية السطوع فرحة بلثغة حروفها، منتشية بما تهِبُ ابتسامته الحانية من ذهب الود الخالص، وتسابقت للحصول على جمع أكبر قدر من فيض تلك الابتسامة، فلم يخرج نجم واحد من عباءة ذلك المساء إلا حظي بكنز يغنيه من الضياء ما تبقى من الظلام في الدنيا، كان البدر كريماً، عطوفاً، حنوناً، لم يردّ نجماً خائباً ذلك المساء، ولم يكسر بخاطر أحد، قبل الهدايا كلها بنفس القدر من الامتنان والمحبة ما عظم منها وما صغر، "الفازات" المحملة بالشعر الندي، الصناديق الخشبية المحشوة بياسمين الكلمات المجفف، قوارير العطر المليئة بالمشاعر المرتبكة، البطاقات الصغيرة المكتوبة بخط القلب، القلائد المشغولة بنفائس الأحاسيس، قبِلَها كلها بذات الحب وذات العرفان.

وبمناسبة العرفان، كان لتلك الليلة عنوان آخر هو العرفان، إذ لم تخل مسيرة نجم من نجوم ذلك المساء من أثر لأيادي البدر فيها على اختلاف أفلاكها ومداراتها، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، فكم نجم باح بسره ليلتها عرفاناً للبدر، وحكى بكل فخر سيرته أمام باقي النجوم، وذكر أنه لم يكن ليعرف طريق النور، ولم يكن ليقرأ فاتحة الضوء لو لم يكن حاديه البدر وهاديه إلى سلّم الصعود إلى السماء حين أخذ بيده ليصبح نجماً، بعد أن كان قنديلاً تائهاً في بطن الأرض، ليست النجوم وحدها من دانت للبدر بالعرفان، بل الفضاء الذي احتوى تلك النجوم يدين له بالشكر والعرفان رغم أنه كان ذلك المساء الصامت الوحيد، ذلك الفضاء الشاسع المسمى الشعر أكثر الممتنين لهذا البدر، وأكثر الشاكرين له، فلسنين طويلة كان البدر حارسه من السقوط على الأرض فراشاً من الخوص الرخيص.

شكراً أيها البدر لنورك ذاك المساء، شكراً لك أن أعدت لنا ذاك المساء طفولتنا الشعرية التي نهبها النضج!

back to top