العراق يتجنب «حرباً قومية» باتفاق مع حزب الطالباني

قلق من دور إيران وتجاهل البارزاني

نشر في 17-10-2017
آخر تحديث 17-10-2017 | 00:11
جنود عراقيون يزيلون صورة للبارزاني في كركوك أمس (أ ف ب)
جنود عراقيون يزيلون صورة للبارزاني في كركوك أمس (أ ف ب)
رغم وقوع تبادل محدود لإطلاق النار بين القوات العراقية ومسلحين أكراد في الساعات الأولى من يوم أمس، فإن بغداد وحزب الرئيس الكردي الراحل جلال الطالباني نجحا في إبرام اتفاق برعاية إيرانية وقبول أميركي، يتضمن «إدارة مشتركة» لكركوك المتنازع على أرضها ونفطها بين الطرفين، حسب مصادر رفيعة.

وأكدت المصادر، لـ«الجريدة»، أن هذا الاتفاق جعل دخول القوات الاتحادية المنطقة سلمياً إلى حد كبير، وجنّب كل الأطراف الخسائر المعتادة في هذا النوع من المعارك.

واندلعت الأزمة بين بغداد وكردستان حين أجرى الأكراد استفتاء صوتوا خلاله لمصلحة حلم الاستقلال التاريخي وإعلان الدولة، واعتبرت بغداد ذلك غير دستوري، مؤكدة أنها تريد استعادة الأراضي وحقول النفط الكبيرة التي سيطر عليها الأكراد خلال الأعوام الماضية، وسط الحرب مع تنظيم داعش.

اقرأ أيضا

ودخلت القوات العراقية، دون حضور كبير لميليشيا الحشد الشعبي الشيعية، كركوك، فجر أمس الأول، واستكملت نهاراً انتشارها في المطار وقاعدة عسكرية كبيرة للجيش، كما دخلت حقول نفط بابا كركر المهمة ومناطق في ديالى المحاذية لبغداد، وسط تعاون وتنسيق مع قوات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لم يُعلن صراحة إلى الآن.

ومما يدعم القول بوجود اتفاق بين بغداد وحزب الطالباني أن الدخول العسكري كان سلساً، وتم حصريا في المناطق التي يسيطر عليها هذا الحزب، دون الاقتراب من خطوط الحزب الديمقراطي الكردستاني المنافس بزعامة مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، الذي ظل خارج الصفقة.

وكان «الاتحاد الوطني» يعارض توقيت الاستفتاء وبعد ذلك عارض إجراءه في المناطق المتنازع عليها، ولم يفلح في جعل منافسه «الديمقراطي»، يوافق على تأجيله، وفي النهاية أدى الانقسام بينهما إلى جعل الأول، المقرب تاريخياً من إيران، يتفق مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، متجنباً المواجهة العسكرية.

ويبرر أنصار هذا الاتفاق، الذي جرى عملياً مع عائلة الطالباني، موقفهم بأن هذه التسوية كانت مخرجاً للجميع يجنب مدينة كركوك ذات الخليط العربي التركماني الكردي، ومدناً كردية أخرى، ويلات الحرب.

لكن حزب رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، الذي يهيمن على مدينتي أربيل ودهوك، يعتبر ذلك «خيانة» وإضعافاً للموقف الكردي، وتصرفاً من جانب واحد لحزب الطالباني، الذي يمتلك النفوذ الأكبر في مدينتي السليمانية وكركوك.

وأدت مجمل التوترات خلال الأسابيع الماضية إلى شرخ كبير بين التحالف النيابي الشيعي والكتلة الكردية بعد سنوات من العمل المشترك الوثيق، كما أن الاتفاق الأحادي بين حزب الطالباني وبغداد يصنع شرخاً كبيراً داخل البيت الكردي لم يحصل منذ نحو عقدين.

وصدرت بيانات أميركية عدة دعمت «إعادة الانتشار العسكري» و«التنسيق» بين الجيش وقوات البيشمركة الكردية، وناشدت الأطراف التوقف عن أي مواجهات محتملة، وإفساح المجال لوساطات تمهد لاستئناف الحوار حول قضايا الخلاف المتعلقة بإدارة حقول النفط والأراضي بين العراق وإقليم كردستان، ويبدو أن واشنطن وجدت في هذا الاتفاق السريع منعاً لنشوب حرب أهلية مكلفة.

لكن على الجانب الآخر، ينبه المراقبون إلى أن الاتفاق حصل برعاية وضمانة إيرانية، وجعل العبادي يخسر حليفاً قوياً هو البارزاني، ويواجه نفوذاً متجدداً للجنرال قاسم سليماني، آمر فيلق القدس الإيراني الاستخباري، وهو ما يعقد المهمة السياسية للجناح الموصوف بالاعتدال في بغداد، ممثلاً برئيس الحكومة الذي يريد أن يصبح «بطلاً للحرب والسلام»، فقد انتصر على تنظيم داعش قبل السوريين، ونجح مبدئياً في تهدئة وضع كركوك بنحو سلمي، لكنه اعترف بدور للجنرال سليماني الذي يرعى الاتفاق، وستترتب عليه استحقاقات عدة.

ورغم سعادة شريحة واسعة من العراقيين، عرباً وأكراداً، بهذه التسوية الواعدة، فإن مراقبين يحذرون من أن تكتفي بغداد بالتصالح مع طرف واحد وتحاول معاقبة البارزاني الذي تعد عائلته هي القيادة التاريخية والروحية الرئيسة في حركة التحرر الكردي، حتى خارج العراق.

ومن المتوقع اختيار محافظ جديد لكركوك خلال الأيام المقبلة، وعودة حزب الطالباني إليها، ورفع الإجراءات العقابية عن السليمانية معقل الحزب، إلى جانب دفع رواتب الموظفين المتوقفة منذ نحو ثلاثة أعوام، الأمر الذي سيعزز نفوذه ويضعف موقف أربيل، على أمل يشجع البارزاني على العودة للحوار برعاية دولية.

back to top