الخليج ليس نفطاً ولا أبراجاً

نشر في 16-10-2017
آخر تحديث 16-10-2017 | 00:07
 د. عبدالحميد الأنصاري «الخليج ليس نفطاً». مقولة المفكر الخليجي الدكتور محمد الرميحي المأثورة ما زالت صحيحة، وليس فنادق وأبراجا ومولات فارهة، بل الخليج حضارة وثقافة وجدل فكري واجتماعي وسياسي استشرافي، لكن الخليج لم يكن ليحقق ما حققه من تقدم وازدهار بغير النفط، الخليج اليوم، وأقصد دول مجلس التعاون، هو الكيان العربي الأكبر انفتاحاً على العالم، وبالرغم من الأزمة الخليجية الطارئة ما زال الخليج الواحة الآمنة، يأتيها رزقها رغداً، وينعم أهلها والمقيمون فيها بمباهج الطاقة والحداثة، وما زال الخليج أرض الفرص الواعدة للمستثمرين، ومطمح الكفاءات للإقامة والعمل، لأنها تجد البيئة الاجتماعية والثقافية المرحبة والمقدرة لكفاءاتها، وما زال الخليج هو الجزء الصحي السليم في الجسم العربي، مقولة السفير عبدالله بشارة.

كيف استطاع الخليجيون تحقيق هذا الإنجاز النوعي؟!

أولاً: نظام سياسي متجذر في عمق التاريخ الخليجي، يتمتع بشرعية أكثر رسوخاً من شرعية (الصندوق الانتخابي) ويتميّز بالحصافة وتأمين كرامات الناس، لا يعرف أساليب القمع والقهر والإذلال، والمعارضة الخليجية مهما بالغت في مطالبها فإنها لا تتجاوز مطالب الإصلاح.

ثانياً: نظام اقتصادي قادر على كفالة معيشة كريمة للناس وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية بجودة.

ثالثاً: إسلام أهل الخليج إسلام سمح، ينبذ العنف والتطرف والأدلجة، لا يرى التظاهرات المخربة ولا المسيرات المؤلبة على الحكم، هو إسلام متصالح مع ذاته، منسجم مع محيطه، متسامح مع الآخر.

رابعاً: ثقافة الخليج ثقافة منفتحة على الآخر، يتعايش في الخليج 200 جنسية وقومية، وعلى امتداد أجيال عاش الخليجيون، وبالرغم من صعوبات المعيشة، في مسالمة مع الآخر، فتعاملوا مع مختلف الشعوب والأمم: تجارة وترحالاً ومصاهرة، من غير عقد الانغلاق والاستعلاء.

المحصلة الثقافية: كانت محصلة تفاعل هذه العوامل، في ظل نظام اقتصادي ريعي يؤمن للمواطنين احتياجاتهم، إنتاج بيئة اجتماعية وثقافية تقبل الآخر وتتعايش معه، كما عززت مناعة النظام الخليجي، تجاه الأيديولوجيات الشمولية: القومية واليسارية والإسلامية المسيّسة.

الخليج اليوم أمام تحديات جديدة: استطاعت المنظومة الخليجية أن تواجه تحديات عديدة، خلال 8 عقود من ظهور الطاقة الأحفورية، وتمكنت من العبور بمجتمعات الخليج إلى ما تنعم به، وما كان كل ذلك ليحصل لولا عوائد النفط، وإرادة أهل الخليج، والانفتاح على العالم، وثقافة الخليج المتصالحة، لكن التحديات التي يواجهها الخليج اليوم تختلف عن تحديات الأمس: هناك اليوم الأزمة الخليجية التي تكاد تعصف بالكيان الخليجي، وهناك فرز طائفي عنيف في المنطقة، وهناك تداعيات هبوط أسعار النفط، فكيف يواجه الخليج هذه التحديات؟

إننا أمام منعطف تاريخي حاسم، علينا اتخاذ خطوات جادة، أهمها:

1 - المسارعة إلى إيجاد مخرج للأزمة الخليجية التي طالت كثيراً، عبر حوار يثمر حلاً توافقياً ينهي الأزمة، ويصون البيت الخليجي.

2 - الإصلاح السياسي بتوسيع دائرة المشاركة السياسية، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني الخليجي، وترسيخ مفهوم المواطنة كأساس لعلاقة المواطن بالدولة.

3 - الإصلاح الاقتصادي: لقد اعتمد الخليجيون، ماضياً وحاضراً، على مصدر أحادي للدخل «اللؤلؤ ماضياً، والنفط حاضراً» وكأنه قدر محتوم، وقد آن الأوان في ظل تقلبات أسعار النفط للتوجه نحو اقتصاد وطني متنوع ومتوازن، يجب الخلاص من أسر اقتصادات الريع، وكسر الاعتماد المطلق على النفط والغاز، عبر ابتكار مصادر دخل جديدة، وتوسيع دور القطاع الخاص، وتقليص الاعتماد على الدور الحكومي، وتفعيل مساهمة العنصر المواطن وبخاصة المرأة في العملية التنموية.

4 - العمل على تعزيز خلق بيئة اجتماعية وثقافية جاذبة للاستثمارات، وصحيح أن الخليج نجح في توظيف الفوائض في مشروعات البنية التحتية والمشاريع العقارية الاستثمارية، إلا أن هذه المشاريع يمكن أن تتحول إلى مدن أشباح، إذا لم يواكبها مناخ اجتماعي وثقافي وفني جاذب، ونوعية حياة متميزة.

5 - وأخيراً: تحسين البيئة الاجتماعية الثقافية الخليجية المشتركة وتطويرها، بدءاً بالمنابر التعليمية، مروراً بالمنابر الثقافية، وانتهاء بالمنبرين: الإعلامي والديني، لقد عاش الخليجيون في الماضي في ثقافة متصالحة، لكن الأفكار المتطرفة حولت بعض أبنائنا إلى قنابل ملغومة، ونشرت فكر الكراهية، ومن هنا علينا مسؤولية إنسانية لإعادة تلك الثقافة المتصالحة التي غيبها فكر التشدد.

* كاتب قطري

back to top