لنحمِ مؤسساتنا من نوابنا

نشر في 02-10-2017
آخر تحديث 02-10-2017 | 00:14
No Image Caption
منذ سبعينيات القرن الماضي، بتنا نعرف المؤسسات الحكومية التي تحظى باستقلالية العمل، بعيداً عن روتين الحكومة ورقابتها المعطلة في كثير من الأحيان، ووفقاً لهذه السياسة جاء إنشاء هيئة الاستثمار، ومؤسستي التأمينات الاجتماعية، والبترول، وأخيراً هيئة الأسواق، وقبلها كان البنك المركزي.

ومن واقع الأرقام والبيانات والحقائق التي لا تعرف تحيزاً ولا كذباً، أثبتت تلك المؤسسات نجاحها، وساهمت مساهمة حية وفعالة في تنظيم الروافد الاقتصادية ورعايتها، بما عاد، ومازال يعود، على البلاد بالخير.

والمؤكد أن العامل المشترك بين هذه المؤسسات الناجحة هو استنادها إلى عدة أركان أساسية، أولها القانون الذي ينظم عملها، وثانيها ما تتضمنه كل منها من كفاءات وطنية فنية ومؤهلة، وأخيراً ما تتميز به من استقرار... لتحافظ بتلك الأركان الثلاثة على نجاحاتها المتجددة، وأدائها المتصاعد؛ وهو ما تجلى في الأداء اللافت للبنك المركزي، منذ قيامه، وتميزه في حماية البنوك، ورصد الدورة المالية والنقدية، بعيداً عن التدخلات السياسية، كما تميَّزت هيئة الاستثمار بإدارة الفرص الاقتصادية، والمساهمة في دعم إيرادات الدولة، في رافد موازٍ للإيرادات النفطية، وذلك رغم ما عانته من التدخلات السياسية والضغوط التي تعرَّضت ومازالت تتعرَّض لها.

وعلى نفس النغمة الناجحة، عزفت "التأمينات" لتصبح مفخرة للأداء المؤسسي، نائية بنفسها عما حولها من أداء حكومي، في حين بزغت شمس مؤسسة البترول الكويتية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي لتستقل بالقطاع النفطي، بعيداً عن روتين العمل الوزاري وبيروقراطيته، رغم تعرضها للضغوطات النيابية... وليس أدل على كوارث تدخلات مجلس الأمة في عمل تلك المؤسسة الناجحة، من تجربتي "الداو" وحقول الشمال، اللتين دفعت البلاد ثمنهما باهظاً بمليارات الدنانير، أما هيئة الأسواق، وهي آخر المؤسسات، فتمثل إنجازها، رغم حداثة عمرها، في الارتقاء بالبورصة على سلم التصنيفات المالية العالمية من فئة الأسواق المبتدئة إلى الأسواق الدولية الناشئة، وهو ما صُنف على أنه إنجاز تاريخي.

إن نجاح مؤسسات الدولة لا يدوم ولا يستقيم من دون الاستقرار، وهو لا يتأتى إلا بحمايتها من التدخلات النيابية والسياسية، ودعم العاملين فيها، فهي مؤسسات مستقلة لها قوانينها، وتخضع لرقابة ديوان المحاسبة، وتبقى مسؤولية حمايتها والحفاظ عليها ملقاة على كاهل الحكومة، من خلال رئيسها ووزرائها المسؤولين سياسياً عن هذه المؤسسات.

وليس خفياً أن الطامة الكبرى المتمثلة بتحجيم أداء المؤسسات الناجحة تأتي حين تتوافق رغبات وزراء مع بعض النواب، ليغدو هؤلاء الوزراء مستعدين للتضحية بتلك المؤسسات، حماية لأنفسهم، وإرضاءً لمجلس الأمة، ومثال ذلك تجارب "الداو" وحقول الشمال، فضلاً عما نحن بصدده الآن من امتحان "التقاعد المبكر"، الذي ستدفع ثمنه مؤسسة التأمينات، ويتحمل عبئه اقتصاد البلاد وماليتها.

إن استقرار هذه المؤسسات هو الطريق الأول لأي خطة تنموية، وتميزها لا يعتمد على قانونها أو كفاءة العاملين فيها فقط، بقدر ما يعتمد على حماية هؤلاء، الذين تحكمهم ثقتهم بما يؤدونه بعيداً عن توازنات المحسوبية والتحصين السياسي النيابي الخاضع لحسابات الأصوات الانتخابية.

على الحكومة أن تبقي مؤسسات البلاد حية فعالة عبر حمايتها من تمدد أخطبوط التدخلات النيابية، التي تغذيها حسابات سياسية تتجاهل الفهم الفني لأداء العاملين بهذه المؤسسات، ليلفها هذا الأخطبوط بأذرعه المدمرة، فيقتل ما لدى كفاءاتها من عطاء وطموح. وهذا التدخل يدمرها كما دمر كثيراً من أجهزة الحكومة، في صفقات آنية لا قيمة لها تحمَّلتها الدولة، ودفع ثمنها هذا الجيل...

فإذا كنتم تريدون للكويت أن تخطو في طريق التنمية، فعليكم بحماية المؤسسات.

الجريدة

back to top