تخيل أن شبه الجزيرة الكورية انقلبت رأساً على عقب

نشر في 17-09-2017
آخر تحديث 17-09-2017 | 00:11
 ناشيونال ريفيو ماذا لو تصرفت كوريا الجنوبية كما كوريا الشمالية؟ تخيل أن نظاماً مستبداً يحكم كوريا الجنوبية ويُعتبر عميلاً للولايات المتحدة منذ عام 1953، تخيل أيضاً أن كوريا الجنوبية المعاصرة ليست دولة ديمقراطية ثرية وموطن كيا وسامسونغ، بدلاً من ذلك تخيلها دولة معدمة فاشلة تفتقر إلى الحرية ولم تدخل بعد عصر الصناعة، على غرار كوريا الشمالية اليوم.

كذلك تخيّل أن الولايات المتحدة تقدّم مساعدة مالية وعسكرية إلى هذا النظام المارق، مما دفع سيول إلى إنتاج أسلحة نووية عدة ومجموعة من الصواريخ الطويلة المدى.

تخيل بعد ذلك أن هذا النظام المستبد المارق في كوريا الجنوبية يهدد بشكل متكرر بتدمير جارته كوريا الشمالية، وتخيل أن كوريا الشمالية ليست خاضعة لسلالة كيم، بل لحكومة لا تملك أسلحة نووية.

فضلاً عن ذلك، تخيل أن نظام الحكم المستبد الكوري الجنوبي يتوعد دورياً بمحو مدنٍ صينية مثل شنغهاي وبكين، فلا شك أن الرسائل الضمنية الموجهة إلى الصينيين ستكون أن الكوريين الجنوبيين الفقراء مجانين إلى حد أنهم لا يأبهون حتى بأن يتعرضوا هم أيضاً للهلاك، طالما أن نحو 12 صاروخاً مزودة برؤوس نووية ستفجر المدن الصينية وستشل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتخيل أيضاً أن تهديدات كوريا الجنوبية هذه تتواصل من دون أي عقاب طوال عقد من الزمن.

أخيراً ماذا لو ادعت الولايات المتحدة كذباً في هذا السيناريو الخيالي أنها لا تملك معلومات كثيرة عن قدرات عميلها الكوري الجنوبي النووية وتهديداته؟ بدلاً من ذلك تعرب الولايات المتحدة عن أسفها تجاه التوتر المتنامي وردود فعل الصين المتهورة حيال التهديدات النووية التي توَجَّه إليها، وتوبخ الولايات المتحدة الصين أيضاً معتبرةً أن الأزمة تعود في جزء منها إلى دعمها حليفها الكوري الشمالي.

تُصدر الولايات المتحدة من حين إلى آخر بيانات تعبّر فيها عن أسفها وقلقها من الوضع، مع أنها تحذّر الصين من ألا تقدِم على أي خطوة تستفز حليف الولايات المتحدة المستفِز.

علاوة على ذلك يعمد خبراء الولايات المتحدة الأمنيون ومخططوها العسكريون بكل سرور إلى إدراج عامل كوريا الجنوبية النووية المارقة في استراتيجية الردع الأميركية، كذلك تتآمر وزارة الدفاع الأميركية سراً مع نظام حكم كوريا الجنوبية المستبد كي تبقي الصين منشغلة ومضطربة، فيما تعزز الولايات المتحدة شحناتها من الأسلحة العسكرية إلى سيول وتتغاضى عن تحديثاتها النووية الحرارية.

لكم من الوقت سترضى الصين بتوجيه نظام مستبد مضطرب أسلحة دمار شامل نحو مدنها الكبرى؟

رداً على ذلك، ألا تهدد بكين سيول النووية بضربة عسكرية استباقية، مع أن الصين تدرك أن سيول تستطيع أولاً التسبب بالكثير من الضرر النووي؟ هل تستخلص الصين حقاً أن الولايات المتحدة مذنبة لأنها فرضت بشكل مبطن عقوبات على امتلاك كوريا الجنوبية أسلحة نووية؟ وهل تحذر الصين الولايات المتحدة وتطلب منها الضغط على سيول لتنزع أسلحتها؟ وهل توقف بكين كل أنواع التجارة مع الولايات المتحدة وتفرض حظراً أو حصاراً على كوريا الجنوبية؟

بكلمات أخرى، لو أن الصين وكوريا الشمالية وجدتا نفسيهما في الموقف عينه كما الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية اليوم، لكان العالم قد شهد راهناً هجوماً صينياً وقائياً على سيول بغية القضاء على مقدرتها النووية.

لا تكمن حقيقة أزمة الصواريخ الكوريا الشمالية في الافتراض السائد بأن الصين تشكّل جزءاً من الحل، بل في واقع أن الصين تمثّل أساساً أصل المشكلة.

لم تخفق الصين في إدراك أن كوريا الشمالية تطور ترسانة نووية، على العكس عرفت تماماً أن كوريا الشمالية ستقوم بما تفعله اليوم، وأن هذا السلوك النووي المارق يخدم مصالح الصين الاستراتيجية في شبه الجزيرة الكورية وفي تنافسها مع الولايات المتحدة نفسها ومع حلفائها في آسيا على حد سواء.

بعبارات أخرى، لو كانت الصين مكان الولايات المتحدة، لشهدنا على الأرجح حرباً مدمرة مأساوية منذ زمن بعيد.

إذاً من الضروري أن تقوم الصين بالتصحيحات الضرورية اليوم قبل أن تزداد الأوضاع سوءاً.

*«فيكتور ديفيس هانسون»

back to top