دونالد ترامب ضدّ كيم جونغ أون...

حرب كلامية ربما تصبح نووية!

نشر في 16-08-2017
آخر تحديث 16-08-2017 | 00:04
أدى الخطاب الناري الذي أدلى به الرئيس دونالد ترامب ضدّ نظام كيم جونغ أون إلى تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية. لكن سيعطي الصراع العسكري نتائج كارثية.
يتكرّر الوضع نفسه خلال شهر أغسطس الجاري في كوريا الجنوبية. على مسافة غير بعيدة من الحدود المشتركة، على خط التوازي 38، تطلق المدفعيات النار على أهداف يُفترض أن تمثّل دبابات كوريا الشمالية. تحلّق المروحيات على علو منخفض وتهدر الطائرات المقاتلة في الجو وتتجول الدبابات على طول الشواطئ في حين يقوم نحو 80 ألف جندي كوري جنوبي إلى جانب جنود أميركيين بتمارين دفاعية مشتركة تحسباً لأي هجوم من الشمال. سبق أن سبّب هذا النوع من المناورات أزمات حادة في الماضي. لكن بلغ التوتر ذروته هذه السنة قبل أسبوعين من بدء المناورات. لم تبرز أية حاجة إلى انتشار الدبابات أو القوات العسكرية، بل كان يكفي أن تصدر هذه الكلمات من ترامب: «من الأفضل ألا تطلق كوريا الشمالية تهديدات إضافية ضد الولايات المتحدة لأنها ستُقابَل بالنار والغضب بشكلٍ لم يشهده العالم بعد».
هل من طريقة دبلوماسية ممكنة للخروج من هذه الفوضى؟ «شبيغل» بحثت عن إجابة.
أطلق دونالد ترامب كلماته الأخيرة ضدّ كوريا الشمالية عندما كان يشبك ذراعيه وظهرت في خلفية المكان ثريات وصفائح الغولف، وكان كلامه كافياً كي يرعب بقية بلدان العالم. كان هذا التحذير الأقوى حتى الآن ضدّ نظام بيونغ يانغ في ما يشبه إعلان حرب غير مباشر. تجاهل ترامب بهذه الطريقة العقيدة غير المكتوبة التي تمنع الرئيس الأميركي من التفاخر بترسانته النووية وكأنه مراهق طائش. يبدو أنه لا يهتم باعتبار الأسلحة أدوات ردع وليس مقتنعاً بأنها وُجِدت كي لا تُستعمل. لو أنه خطا خطوة إضافية وهدّد بتدمير بيونغ يانغ، كان ليصعب أن نميّز بينه وبين الدكتاتور كيم جونغ أون. حتى الكوريون الشماليون الذين لا يتوانون عن إطلاق تهديداتهم الصريحة انتقدوا موقفه الهستيري بشأن الحرب النووية واعتبروا تصريحه «متهوراً جداً».

يبدو أن ذلك التصريح كان نتاج مقالة نُشرت قبل فترة قصيرة في صحيفة «واشنطن بوست» وذكرت أن كوريا الشمالية أنتجت رأساً حربياً مصغّراً يسع داخل صواريخ طويلة المدى تستطيع نظرياً أن تصل إلى الولايات المتحدة. ارتكزت القصة على تحليلٍ أصدرته «وكالة الاستخبارات الدفاعية» مفاده أن الرئيس كان يعرف بالموضوع. ومع ذلك يبدو أن الأخير شعر بضرورة أن يعلّق على التقرير الصحافي.

ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه لم يخطط للكلمات التي سيستعملها مسبقاً ولم يناقشها مع مستشاريه. غرّد بكل ثقة في يناير الفائت: «أعلنت كوريا الشمالية للتو أنها أصبحت في المراحل الأخيرة من تطوير سلاح نووي يستطيع أن يصل إلى مناطق من الولايات المتحدة. لن يحصل ذلك!». لكنّ إقدام ترامب على ارتجال تصريحاته لا يجعلها أقل خطورة بل العكس صحيح. من الواضح أنه يصبّ الزيت على النار ويزيد احتمال نشوب صراع مسلّح مع كوريا الشمالية. تكمن المفارقة الحقيقية في قدرة اقتصاد ضئيل، حيث يساوي الناتج المحلي الإجمالي نحو نصف الأموال التي يصرفها الأميركيون على حيواناتهم الأليفة، على تطوير صواريخ طويلة المدى ومزودة بقنبلة نووية.

من جهته، انتقد وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل تلك «اللهجة العدائية» معتبراً أنها شبيهة بأسلوب كيم جونغ أون. صرّح لصحيفة «دير شبيغل»: «لا يتوافر حل عسكري لهذا الصراع. تبدو المخاطر المطروحة على جميع الأفرقاء هائلة، لا سيما بالنسبة إلى كوريا طبعاً، لكن ستتأثر المنطقة والعالم كله أيضاً».

عواقب وخيمة

ستعني الحرب على الأرجح مقتل مئات آلاف الناس وتدمير عاصمة كوريا الجنوبية سيول، وربما تحصل اعتداءات ضدّ قواعد عسكرية أميركية في شرق آسيا أو حتى ضد مدن أميركية. كذلك ستُهدَم كوريا الشمالية وسيصاب الاقتصاد العالمي كله بصدمة قوية.

يتعلق القلق الأساسي باحتمال أن تنشأ في المرحلة اللاحقة سلسلة من التهديدات الجديدة والخارجة عن السيطرة في مقابل تهديدات مضادة من شأنها أن تزيد احتدام الوضع. في مرحلة معينة، سيعتبر أحد الطرفين نفسه مجبراً على الهجوم استباقاً للضربة الأولى من الطرف الآخر.

نادراً ما كان هذا التهديد كبيراً بقدر ما هو عليه اليوم، لما كانت الرؤوس الحربية النووية باتت موجودة على طرفَي المحيط الهادئ، ما يطرح تهديداً وجودياً على كل طرف. من جهة نجد ترامب، سيّد تويتر المتهور والخارج عن السيطرة الذي لم يحقق الكثير في أول 200 يوم من ولايته. ومن جهة أخرى، نجد حاكم كوريا الشمالية الدكتاتوري الذي يعتبر صيحات إعلان الحرب مجرّد استعراض للقوة.

في نهاية يوليو الفائت، أصدر الكوريون الشماليون تحذيراً عسكرياً جريئاً مفاده أنهم «سيدمرون مسبقاً» أي بلد هدّد «الكرامة العليا» للنظام من خلال «استعمال الوسائل العسكرية كافة، بما فيها الأسلحة النووية». غداة خطاب ترامب الناري، ردّت كوريا الشمالية معتبرةً أنها ستطلق عند الحاجة أربعة صواريخ متوسطة المدى ستهبط في البحر بالقرب من منطقة «غوام» التي تشمل قاعدة جوية أميركية في المحيط الهادئ. كذلك يمكن أن يحصل اختبار نووي سادس قريباً.

يتعامل معظم الرؤساء الأميركيين باتزان مع هذا النوع من التهديدات باستعمال القوة العسكرية. لكن لا ينطبق هذا المبدأ على ترامب الذي يردّ على كل تهديد بتهديد مضاد. غرّد ما يلي: «كان أول أمرٍ أصدرتُه كرئيس يقضي بتحديث الترسانة النووية الأميركية». وكتب أن تلك الترسانة «أصبحت الآن أقوى وأكثر فاعلية من أي وقت مضى» مع أن كلامه غير صحيح. وتابع مغرّداً: «نأمل بألا نضطر يوماً إلى استعمال هذه القوة لكننا لن نخسر مكانتنا كأقوى بلد في العالم!».

مبالغة فائقة

حين طرح الصحافيون الأسئلة على ترامب، زاد حدّة لهجته وقال: «ربما لم يكن ذلك التصريح قاسياً بما يكفي». وعندما سُئل عن الجواب الذي قد يكون أقسى من عبارة «النار والغضب»، أجاب: «سترون، سترون!». كذلك سُئل إذا كان يفكر بشنّ ضربة استباقية، فأجاب: «نحن لا نتكلم عن هذا الموضوع». لكنه أردف: «من الأفضل أن تُحسِن كوريا الشمالية التصرف وإلا ستواجه المشاكل كما لم تواجهها بلدان كثيرة».

تمنّى كثيرون أن يسهم تعيين جون كيلي حديثاً كرئيس جديد لهيئة الأركان في إعادة الهدوء والنظام إلى البيت الأبيض، لكن تثبت تعليقات هذا الأسبوع أن أحداً لا يستطيع ردع الرئيس. إلى جانب مستشار الأمن القومي هيربرت ر. ماكاستر ووزير الدفاع جيمس ماتيس، يُعتبر الجنرال السابق كيلي واحداً من الأعضاء المتزنين القلائل ضمن فريق ترامب. سبق واتّفق ماتيس وكيلي منذ أشهر على ضرورة أن يبقى واحد منهما في الولايات المتحدة لمراقبة أوامر الرئيس وقراراته.

على صعيد آخر، يقلّ عدد الأشخاص الذين يستطيعون التأثير في سياسات ترامب بشأن كوريا الشمالية. لا تزال مناصب كثيرة شاغرة في وزارة الخارجية وثمة نقص في أعداد الخبراء الذين يستطيعون تطوير استراتيجية خاصة بملف كوريا الشمالية. في هذه الأيام، يبدو وزير الخارجية ريكس تيلرسون أشبه بمكنسة كهربائية آلية كونه ينظّم الوضع من دون إحداث أية ضجة. كان تيلرسون من أعلن فجأةً في مارس أن «سياسة الصبر الاستراتيجي انتهت». لكنه بدا أكثر تسامحاً منذ بضعة أيام حين قال إن واشنطن لا تهدف إلى تغيير النظام في كوريا الشمالية.

بعد خطاب ترامب الناري، بدا تيلرسون عاجزاً عن اختلاق تصريحٍ أفضل من دعوة الناس إلى عدم القلق من كلام الرئيس فقال: «يجب أن ينام الشعب الأميركي بهناء خلال الليل!».

صبّ الزيت على النار

من الواضح أن الفوضى بدأت تنتشر في واشنطن بعدما عمد وزير الدفاع تحديداً إلى تصعيد الوضع عبر تحذير كوريا الشمالية حول ضرورة «الامتناع عن أية تحركات من شأنها أن تؤدي إلى إنهاء نظامها وتدمير شعبها».

لكن إلى أي حد يُعتبر التهديد الذي تطرحه كوريا الشمالية كبيراً؟ تشير تقديرات الولايات المتحدة إلى أن كيم يملك راهناً 60 سلاحاً نووياً، وأنه يتدخل شخصياً لتسريع عمل خبراء التكنولوجيا العسكرية. يقول لي هو ريونغ من «معهد كوريا للتحليلات الدفاعية» في سيول: «يبدو أنه يستعمل مقاربة التهديد والمكافأة». في عام 2016، تصوّر الدكتاتور شخصياً إزاء رأس حربي مصغّر للمرة الأولى. تساءل بعض الخبراء حينها عن احتمال أن تكون الكرة الفضية فيه مزيفة، لكن لا يشكّك كثيرون اليوم بأنها كانت حقيقية.

تشكّل الرؤوس الحربية المصغّرة إنجازاً بالنسبة إلى ذلك البلد حيث ظنّ الخبراء العسكريون في البداية أن هذا الهدف لن يتحقق قبل سنتين. لكن لا يمكن تأكيد بعد أنّ كوريا الشمالية تتمتع بالقدرات أو الدقة اللازمة لضرب أهداف في الولايات المتحدة.

أشار تحليل اختبار صاروخ بالستي عابر للقارات في يوليو الفائت إلى احتراق الصاروخ أثناء اختراقه الغلاف الجوي لكوكب الأرض. لذا يظنّ روبرت ليتواك من «مركز وودرو ويسلون» في واشنطن أن الاختبارات الصاروخية التي يطلقها كيم تشكّل «حالة طارئة جديدة» في الجدل القائم حول البرنامج النووي الذي يعتبره نسخة من «مشروع مانهاتن» بالنسبة إلى كيم، لكن ستحتاج بيونغ يانغ في مطلق الأحوال إلى سنة أو سنتين قبل أن تحصل على صواريخ نووية قادرة على ضرب أهداف تقع على بُعد آلاف الكيلومترات. لكن لطالما أخطأ الخبراء في تقديراتهم في الماضي، ومن الواضح أن بيونغ يانغ تحرز تقدماً سريعاً.

مصالح بكين

لحلّ الصراع تقضي خطة بكين في المقام الأول برمي المسؤولية على الولايات المتحدة وحلفائها ومطالبتهم بالتفاوض مباشرةً مع كوريا الشمالية. اعتبر المسؤولون في بكين أن كوريا الشمالية لن تقتنع بتجميد برنامجها الصاروخي والنووي إلا إذا أوقفت واشنطن وسيول وطوكيو المناورات العسكرية المشتركة في غرب المحيط الهادئ.

لا يمكن اعتبار اقتراح الصين بعيد المنال لأن الجمع بين خصمَين على طاولة المفاوضات سيسمح في الحد الأدنى بمنع تصعيد الوضع. لكن حتى الآن لم تثبت بكين أنها مستعدة لتحمّل مسؤوليات إضافية. يدفعنا هذا الوضع إلى التشكيك بأنها لا تهتم بإيجاد حلّ بقدر ما تريد حماية مصالحها الخاصة، لا سيما كسر الهيمنة الأميركية في منطقة المحيط الهادئ والتحوّل إلى قوة رائدة في المنطقة.

تفضّل بكين أيضاً أن يجمّد كيم برنامجه الصاروخي والنووي وأن يتوقف عن استفزاز الآخرين. لكنها لا تخاف من الأسلحة الذرية التي تصنّعها كوريا الشمالية بقدر ما تخشى فكرة أن ينهار النظام في بيونغ يانغ يوماً، ما يسرّع إعادة توحيد البلدين بقيادة واشنطن وسيول. ربما يؤدي هذا الحدث إلى تمركز الجنود الأميركيين على طول الحدود الصينية.

لتهدئة هذه المخاوف قيل إن هنري كسنجر، سيّد الدبلوماسية القديم مع الصين، نصح وزير الخارجية تيلرسون حديثاً بتقديم بعض الضمانات إلى بكين، من بينها انسحاب واسع النطاق للقوات الأميركية من الجنوب في حال إقرار إعادة توحيد البلدين. بحسب رأيه، إنها الطريقة الوحيدة لتبديد مخاوف بكين من فكرة ألا تعود كوريا الشمالية دولة عازلة في أحد الأيام.

حتى الآن لا تظنّ بكين أن اندلاع حرب كورية جديدة أمر وارد. لكن كلما اقتربت كوريا الشمالية من تحقيق هدفها المرتبط ببناء صاروخ بالستي عابر للقارات ومزوّد برأس حربي، سيصبح ذلك الاحتمال أقرب إلى الواقع. ما الذي ستكسبه بكين أصلاً من التحول إلى قوة رائدة في المنطقة إذا غرقت في الفوضى؟

سلاح «سياسي»

سبق واعتبرت الحملات الدعائية الحكومية في كوريا الشمالية الزعيم الشاب قائداً عسكرياً فاز بمعارك كثيرة. لذا يستطيع الأخير أن يتباهى منذ الآن بنجاحه في حفظ إرث جدّه كيم إيل سونغ ووالده كيم جونغ إيل وبقدرته على حماية السلالة الستالينية من تدخل القوى العظمى بفضل امتلاكه الأسلحة النووية. لم تكن الكوارث الطبيعية والمجاعات والعقوبات التي بلغت ذروتها كافية لمنع هذه السلالة من تحقيق هدفها. ربما يتعلق أهم هدف استراتيجي في نظر كيم جونغ أون اليوم بالاعتراف ببلده كقوة نووية ويمكن تحقيق ذلك عبر تسوية شبيهة بتلك التي توصلت إليها الولايات المتحدة مع الهند.

يقول را جونغ ييل، نائب مدير الجهاز الاستخباري السابق في كوريا الجنوبية: «تُطوّر كوريا الشمالية سلاحها النووي لأسباب سياسية». وهو لا يظنّ أن كيم سيستعمل ترسانته، بل إنه يريد على المدى الطويل أن تسحب الولايات المتحدة جيشها من كوريا الجنوبية وتتقاسم نفوذها في اليابان. لكن، بحسب بعض المصادر في هيئة الأركان العامة في اليابان، سيتبنى كيم مقاربة انتحارية ويجازف بنفوذه عبر شنّ ضربة انتقامية ضد الولايات المتحدة.

التأثير الصيني

حقّق كيم نجاحاً اقتصادياً أيضاً، إذ بدأ يحوّل بيونغ يانغ إلى أداة دعائية فاعلة من خلال تشييد ناطحات سحاب معاصرة ومدن ملاهٍ. بدأت الشوارع التي كانت خالية سابقاً تشهد ازدحام سير لافتاً ويستطيع الأشخاص الذين كانوا منقطعين عن العالم في بلدهم المعزول أن يجروا الاتصالات ويتصفحوا الإنترنت عبر هواتفهم الذكية اليوم. موِّلت هذه الفورة الاقتصادية عبر تصدير المواد الخام والمنتجات الغذائية فضلاً عن نشوء شركات تجارية كثيرة تنشط في الصين. وتشير تقديرات الأجهزة الاستخبارية في سيول إلى أن كوريا الشمالية نشرت أيضاً نحو 7 آلاف خبير كمبيوتر وجاسوس ومقرصِن في الخارج. وقيل إن هجوم القرصنة الذي استهدف في السنة الماضية بنك بنغلادش المركزي حصد ثروة قيمتها 81 مليون دولار.

عليه، من المستبعد أن تكون العقوبات المشددة التي فرضتها الأمم المتحدة حديثاً كافية لردع كيم. يهدف القرار 2371 الذي حظي بدعم الصين أيضاً إلى كبح صادرات كوريا الشمالية عبر حصرها بثلث صادراتها الإجمالية التي تبلغ قيمتها مليار دولار. كذلك يمنع القرار البلدان من الاستعانة بعمّال من كوريا الشمالية أو الاتفاق على مشاريع مشتركة معها. لكن لضمان تصويت الصين على قرار العقوبات، قيل إن الولايات المتحدة اضطرت إلى تقديم التنازلات. تستطيع بكين حتى الآن مثلاً أن تتابع تسليم النفط إلى كوريا الشمالية.

لهذا السبب أيضاً يشكك مارك فيتزباتريك من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» في واشنطن بفاعلية العقوبات، ويقول: «لا شك في أن العقوبات لن تُنفَّذ بالكامل. ستجد كوريا الشمالية وسائل أخرى لجني المداخيل». لذا يقترح فيتزباتريك زيادة الضغوط عبر فرض حصار بحري.

دور الصين

حتى الآن، يتوقّف مسار الوضع بدرجة كبيرة على الصين. يحاول ترامب منذ فترة أن يزيد الضغط على بكين، لكنه لم ينجح في مساعيه بعد. حذّر الصين مجدداً وطالبها ببذل جهود إضافية وزعم أن الولايات المتحدة تخسر «مئات مليارات الدولارات» سنوياً في تجارتها مع الصين، مؤكداً أن هذا الوضع لن يستمر إلا إذا ساعدته الصين في ملف كوريا الشمالية. لكنها ليست المرة الأولى التي يطلق فيها تهديدات مماثلة، ومن المستبعد أن تأخذ بكين هذا الرئيس الأميركي على محمل الجد بعد اليوم.

يقول وزير الخارجية الألماني غابرييل: «كان مفيداً أن توافق الصين على تشديد العقوبات الأخيرة، وتريد الآن أن تنفذها بكل صرامة أيضاً». بحسب رأيه، يجب أن تفهم بيونغ يانغ أنها لم تعد تملك شركاء في «مسارها الاستفزازي العدائي». لكن هل هذا ما تريده الصين فعلاً؟

يقول وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن قرار الأمم المتحدة سيساعد القيادة في بيونغ يانغ على اتخاذ «قرارات صائبة وحكيمة». لكن عملياً لا تظنّ بكين أن العقوبات ستنجح. يقول جين كيانغي، رئيس «مركز الدراسات بين الكوريتين» في جامعة «يانبيان»: «منذ عقود، كانت الصين تواجه ضغوطاً مشابهة من الخارج. في تلك الفترة، لم تستسلم أيضاً. لذا تعرف بكين انطلاقاً من تجربتها الخاصة أن مفعول العقوبات محدود جداً».

تدرك الصين أنّ العكس صحيح: أثبتت فترة المجاعة خلال التسعينيات أن العقوبات تسبب المعاناة لشعب كوريا الشمالية وتشجّع النظام على التمسك بموقفه. ووافقت بكين عليها منعاً لاتهامها بالانحياز إلى صالح كيم، ونظراً إلى زيادة أعداد الصينيين الذين باتوا ينتقدون ولاء الصين للدكتاتور في بيونغ يانغ.

احتمال التوصل إلى حل دبلوماسي ضئيل

في طوكيو وسيول، يشعر الناس بالقلق بشأن توصّل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق معهم بقدر قلقهم من التصعيد العسكري. يريد البلدان أن يتابعا تجميع أسلحتهما، ويعتبر وزير الدفاع الياباني الآن أن بلده يستطيع تنفيذ ضربات استباقية. حتى رئيس كوريا الجنوبية الجديد مون جاي إن بدأ يستعمل نبرة أكثر عدائية، فهو حاول منذ استلامه الحكم ترسيخ المصالحة مع كوريا الشمالية لكنه يدعو الآن إلى إصلاح شامل للدفاعات في بلده.

رغم تداعيات الحرب الكارثية، يبدو احتمال التوصّل إلى حلّ دبلوماسي ضئيلاً ويطرح هذا الوضع معضلة كبرى في هذا الصراع.

في عام 1994، وقّعت إدارة كلينتون على اتفاق مع كيم جونغ إيل الذي تعهد بالتوقف عن إعادة معالجة قضبان الوقود مقابل استلام النفط. لكن تابع زعيم كوريا الشمالية، أي والد كيم جونغ أون، تلك العمليات سراً. فشلت محاولة أخرى في عام 2005 أيضاً. ما دام أصحاب السلطة في بيونغ يانغ يظنون أنهم يحتاجون إلى الأسلحة النووية لضمان نفوذهم، فلن يكونوا مستعدين للتخلي عنها.

تبيّن أن ترامب من جهته لا يطرح إلا أسوأ الخيارات. حتى الجيش الأميركي القوي لا يستطيع أن يستهدف المنشآت العسكرية كافة في كوريا الشمالية في الوقت نفسه، ويعجز عن أن يمنع كيم من شنّ ضربة انتقامية. يعرف معظم الخبراء أن الخطة الوحيدة التي تكبح مسار كيم تجمع بين العقوبات وبين الحرب الإلكترونية والعزلة، لكن سيضطر العالم في نهاية المطاف إلى الاعتراف بكوريا الشمالية كقوة نووية.

لن يكون هذا الوضع جديداً. حين صنع جوزيف ستالين وماو تسي تونغ أول قنابل ذرية، أصبحت الضربات الاستباقية محط نقاش أيضاً. لكن تصرّف أسلاف ترامب باتزان لحسن الحظ وأصبح الاتحاد السوفياتي والصين في النهاية قوتين نوويتين. منذ ذلك الحين، طغى منطق الردع المتبادل الهش.

يبلغ ترامب اليوم 71 عاماً، وهو نشأ في أكثر الفترات السلمية التي شهدها بلده إطلاقاً. نأمل بألا يكون نسي ذلك!

أحد الطرفين سيعتبر نفسه مجبراً على الهجوم استباقاً للضربة الأولى من الطرف الآخر

الحرب ستعني مقتل مئات آلاف الناس وتدمير عاصمة كوريا الجنوبية سيول
back to top