الصياد البغدادي يصطاد «القرود» من البحر (25 - 30)

نشر في 20-06-2017
آخر تحديث 20-06-2017 | 00:02
تنهي شهرزاد في هذا الجزء من الليالي العربية، قصة سيف الملوك، ابن ملك مصر، الذي ترك بلاده وخاض البحار بحثاً في البراري والقفار عن «بديعة الجمال» ابنة أحد أكبر ملوك الجان، وهو كان أحبها حينما رأى صورتها مرسومة على هدية منحها النبي سليمان لوالد «سيف الملوك» الملك عاصم.
وصل سيف الملوك إلى بديعة الجمال، إلا أنه قتل قبل ذلك ابن «الملك الأزرق»، لذا يُخطف من حديقة قصر الملك شهيال، الذي غضب وأراد أن يسترد «سيف الملوك» بالقوة.
كذلك تبدأ شهرزاد قصة جديدة في هذه الحلقة، إذ تحكي حكاية الصياد البغدادي الفقير خليفة، الذي ألقى ذات يوم شبكته في البحر فلم تخرج بالسمك، كما هو معتاد، بل خرجت هذه المرة بثلاثة قرود، لكل منها قصته الغريبة.
لما كانت الليلة السابعة بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد، بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز قالت لابنها شهيال: إن لم تذهب إلى الملك الأزرق وتفعل ما أمرتك، فلا أجعلك في حل من لبني، وتكون تربيتك حراماً.

عند ذلك قام الملك شهيال وأمر عسكره بالخروج إلى الملك الأزرق، رعاية لخاطر أمه وابنته، ولم يزالوا مسافرين حتى التقوا بعساكر الملك الأزرق، واشتبك العسكران، فانكسر الملك الأزرق هو وعسكره، وجيء به وأرباب دولته بين يدي الملك شهيال فقال له: يا أزرق أين سيف الملوك الإنسي الذي هو ضيفي؟ فأجابه الملك الأزرق: أنت جني مثلي، فكيف لأجل إنسي تفعل هذه الفعلة معنا؟ وهو قد قتل ولدي وحشاشة كبدي وراحة روحي؟ فقال له شهيال: خل عنك هذا الكلام، وإذا كان حياً فأحضره وأنا أعتقك وأعتق كل من قبضت عليه من أولادك، أما إن كنت قتلته فأنا أذبحك أنت وأولادك. فسأله الملك الأزرق: هل هذا الإنسي أعز عليك من ولدي؟ أجابه الملك شهيال: ولدكم ظالم كونه يخطف أولاد الناس وبنات الملوك ويضعهم في القصر المشيد والبئر المعطلة، فقال له الملك الأزرق: الإنسي عندي ولكن أصلح بيننا وبينه.

كتب شهيال عهداً بين الملك الأزرق وسيف الملوك، ثم أخذ الأخير وأتى به إلى أمه، ففرحت به فرحاً شديداً، وتعجَّب شهيال من جمال سيف الملوك وكماله، ومن حكايته مع بديعة الجمال، ثم قال لأمه: حيث رضيت به زوجة لابنتي فأنا طوع أمرك، فخذيه وروحي إلى سرنديب واعملي هناك فرحاً عظيماً، فإنه شاب مليح. عندئذ، سارت العجوز ومعها سيف الملوك وبديعة الجمال إلى سرنديب، وبعدما أقيمت الأفراح والليالي الملاح، قال سيف الملوك للملك تاج الملوك: لي عندك حاجة أخاف أن تردني عنها خائباً. فقال له: والله لو طلبت روحي ما منعتها عنك لما فعلت من الجميل. فسأله سيف الملوك: أريد أن تزوج ابنتك دولة خاتون بأخي ساعد، حتى نصير كلنا غلمانك. فقال تاج الملوك: سمعاً وطاعة.

وجمع أكابر دولته وعقد قران ابنته دولة خاتون على ساعد، ثم نثر الذهب والفضة وأمر بتزيين المدينة وإقامة الفرح مجدداً، ولم يزل سيف الملوك وساعد عنده 40 يوماً بعد ذلك، ثم قالت بديعة الجمال لزوجها سيف الملوك: هل بقي في نفسك أي أمر؟ فقال سيف الملوك: ما بقيت في قلبي حسرة أبداً، ولكن قصدي الاجتماع بأبي وأمي في أرض مصر. فأمرت جماعة من خدمها بأن يوصلوه هو وساعد إلى أرض مصر، فأوصلوهما إلى هناك حيث أمضيا مدة في سرور وحبور، ثم ودَّع كل منهما أباه وأمه، وعادا إلى مدينة سرنديب، وصارا كلما اشتاقا إلى أهلهما يزورانهم في مصر ثم يرجعان.

وعاش سيف الملوك هو وبديعة الجمال في أطيب عيش وأهناه، وكذلك ساعد مع دولة خاتون، إلى أن أتاهم هازم اللذات، ومفرق الجماعات فسبحان الحي الذي لا يموت، وله الملك والملكوت، وهو أول بلا ابتداء، وآخر بلا انتهاء.

لما سمع الملك شهريار من شهرزاد هذه الحكاية، مال عجباً، واهتز طرباً، وقال لها: هذه حكاية تستأهل أن تُؤرَّخ وتُحفظ، فقالت له: ما هي يا مولاي بأعجب من قصة {خليفة الصياد والقرود}، فسألها: وما حكايته؟

البخت المنحوس

 

قال الملك شهريار لشهرزاد، بعدما انتهت من حكاية سيف الملوك وبديعة الجمال: هذه حكاية عجيبة، فيها شفاء للنفوس الحزينة الكئيبة. فقالت له: إن حكاية خليفة الصياد مع القرود أعجب وأغرب، ذلك أنه كان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، رجل صياد، في مدينة بغداد، اسمه خليفة، لم يكن تزوَّج بعد لأنه فقير الحال، لا قدرة له على نفقة الزوجة والعيال، فاتفق أن توجَّه إلى البحر بشبكته، ليصطاد كعادته.

وظل ساعة من الزمان، وهو ينتقل بشبكته في البحر من مكان إلى مكان، لكنه كلما أخرجها من الماء، لا يجد فيها أي شيء، فضاق صدره، وحار فكره، وقال بعد فشله للمرة العاشرة: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. الرزق على الله عز وجل، وإذا أعطى الله عبداً لا يمنعه أحد، وإذا حرم عبداً لا يعطيه أحد. ثم إنه من كثرة ما أصابه من الهم والغم أنشد يقول:

إذا ما رماك الدهرُ منه بشدَّةٍ

فهيئ لها صبراً وأوسع لها صدرا

فإن إله العالمين بجوده

سيعقب بعد العسر من فضله يسرا

ثم جلس مفكراً في أمره، وبعد ذلك أنشد هذه الأبيات:

اصبر على حلو الزمان ومره

واعلم بأن الله بالغ أمره

فلرب ليل بالهموم محمل

عالجته حتى ظفرت بفجره

ولقد تمر الحادثات على الفتى

وتزول حتى لا تعود لفكره

قال خليفة الصياد لنفسه بعد ذلك: إني توكلت على الله، ومن توكل على الله كفاه. ثم نهض حاملاً شبكته، وألقاها في الماء مجدداً، وهو يدعو الله ألا يخيب رجاءه في هذه المرة، ولما همَّ بسحبها من الماء بعد ذلك وجدها ثقيلة، فخفق قلبه فرحاً وتفاؤلاً بصيد كثير، يعوِّض جهوده الضائعة من قبل.

لما كانت الليلة الثامنة بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد، أن خليفة الصياد، لما وجد الشبكة أثقل من المعتاد، أخذ يسحبها بلطف وحذر، وهو يمعن فيها النظر، فلما أتمّ إخراجها من الماء، وجد فيها بدلاً من السمك قرداً أعور أعرج، فتملكه الأسف والاستياء، وفاضت عيناه بالبكاء، ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ماذا أصنع في هذا البخت المنحوس، والطالع المنجوس؟ وأي ذنب وقع مني في هذا النهار، حتى بُليت بكل هذا المرار؟ ولكن الحمد لله على كل حال، وهو سبحانه وتعالى مقدر الأرزاق والآجال. ثم أخرج القرد من الشبكة، وربطه بحبل ليمنعه من الحركة، وكانت على شاطئ البحر شجرة كبيرة، فربطه إلى جذعها، ثم قطع أحد فروعها، وجعل منه عصا ليضرب بها ذلك القرد لشدة غيظه منه، لكنه ما كاد يرفع عصاه في الهواء، ويهمُّ بالضربِ كما شاء، حتى أنطق الله القرد فقال له بلسان عربي مبين: {أمسك عن ضربي أيها الصياد المسكين، واتركني مربوطاً في هذا المكان الأمين، ثم اذهب بشبكتك فألقها في الماء، وارحم من في الأرض يرحمك من في السماء}.

قرد أبي السعادات

لما سمع خليفة الصياد كلام القرد، تملكته الدهشة، وكف يده عنه، ثم حمل شبكته ورجع بها إلى البحر فألقاها فيه، وانتظر حتى استقرَّت، ثم أخذ في سحبها، فوجدها أثقل مما كانت في المرة الأخيرة، ثم اشتدت دهشته وحيرته حينما أخرجها من الماء، فإذا فيها قرد آخر يقهقه بسخرية واستهزاء، وهو مُفلج الأسنان، عيناه مكحولتان، ويداه بالحناء مخضبتان، وعليه ثوب مهلهل لا يغطي إلا بعض ظهره، فبكى الصيادُ لفرط غمه وقهره.

ثم قال لنفسه: أي أمر جرى في الوجود، وكيف تحوّل السمك إلى قرود؟ وأخذ القرد الجديد بعد ذلك، ومضى به إلى أن وصل إلى القرد الأول المربوط في الشجرة، وقال له غاضباً: انظر كيف كانت عاقبة مشورتك، وكيف جلبت لي الشؤم بقبح صورتك؟ ماذا أصنع بكما الآن، وأية فائدة فيكما لمحروم مثلي جوعان؟

وأراد خليفة الصياد بعد ذلك أن يضرب القردين بعصاه، فأمسكها ورفعها بيمناه، ولفها في الهواء ثلاث مرات، وهمَّ بأن يهوي بها على رأس القرد الأول فيجعله من الأموات، ولكن هذا القرد صاح به قائلاً: سألتك بالله لا تضربني، واصفح بفضلك عني، وأطلب كل ما تريد، من هذا القرد الجديد، فهو في الحقيقة قدير، وبإجابة طلبك جدير. لما سمع كلامه، وفهم مرامه، أمسك عن ضربه والتفت إلى القرد الثاني، فقال له الأخير: أيها الصياد الفقير، إذا شئت أن تحصل على الغنى والخير الوفير، فاعمل بما أشير به عليك.

قال له خليفة الصياد: هات ما عندك من المشورة. أجابه القرد: خذ شبكتك وامض إلى البحر مجدداً، وستجد فيها بإذن الله كل ما تريد. عندئذ، ربطه إلى أخيه، وتركهما وتوجه بشبكته إلى البحر فألقاها فيه، وما كاد يخرجها ويرى ما تحويه، حتى اشتد غضبه وخرج الزبد من فيه، فقد وجد فيها قرداً ثالثاً أكبر، لكن لونه أحمر، وعلى ظهره ثوب أزرق، مهلهل أيضاً وممزق، وما وقعت عليه عيناه حتى فاضتا بالدموع، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أما كفاني قردان اثنان، فيكون من نصيبي أيضاً هذا القرد الشيطان؟ والله ما رأيت مثل هذا اليوم المشؤوم، ولا مثل هذا الرزق المقسوم، وقد خرجت بشبكتي لأصطاد سمكاً كالمعتاد، فإذا بي لا أجد غير هذه القرود الثلاثة الأوغاد.

أخذ خليفة القرد الثالث فربطه في الشجرة مع أخويه، ثم شمّر عن ساعديه، ورفع عصاه ليهوي بها عليه، وقد تطاير الشرر من عينيه، فالتفت القرد إليه وقال له: لماذا تريد ضربي؟ ألا تعرف أني قرد أبي السعادات الصيرفي اليهودي؟ وأني أعطيه خمسة دنانير كل صباح، ومثلها كل مساء؟ لما سمع كلامه أمسك عن ضربه، والتفت إلى القرد الأول وقال له: هل سمعت كلام صاحبك؟ إنه في كل يوم يأتي إلى صاحبه بعشرة دنانير.

أما أنت أيها المشؤوم فإنك تصبحني بعرجك وعورك وقبح طلعتك فأصير مفلساً جائعاً. ثم رفع العصا ولفها في الهواء ثلاث مرات معتزماً أن يهوي بها عليه، فقال له قرد أبي السعادات: كف عنه يدك يا خليفة، وسأقول لك ماذا تصنع. عندئذ، ألقى خليفة الصياد عصاه جانباً، وقال لقرد اليهودي: أي أمر عندك لي يا سيد القرود؟ فقال له: خذ شبكتك واذهب إلى البحر فألقها في أي مكان شئت، ثم ارجع إلى هنا بما تجده فيها أياً كان، فأشير عليك بما تفعل، وتجد ما يسرك بإذن الله.

سوق الصيارف

لما كانت الليلة التاسعة بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد، أن خليفة الصياد حمل الشبكة على كتفه، ومضى بها إلى البحر وهو ينشد هذه الأبيات:

إنَّ الذي خلق الإنسان من عَجل

قد قدَّر الرزق في الماضي وفي الآتي

لا تطمعني بشيء لست أدركه

كم طامع بات مسلوب الإرادات

ما فرغ الصياد من إنشاد شعره، حتى كان وصل إلى البحر، فوقف وألقى بالشبكة فيه، ثم صبر إلى أن استقرت وأخذ بسحبها، فلما أخرجها من الماء وجد فيها حوتاً كبير الرأس، ذنبه كالمغرفة، وعيناه كأنهما ديناران، ففرح به غاية الفرح، لأنه ما اصطاد مثله سابقاً، ورجع وهو يحمله ويتأمله مُتعجِّباً إلى الشجرة التي ترك القرود عندها، وكأنه ملك الدنيا كلها، فلما رآه قرد اليهودي مُقبلاً صاح به: أي أمر تريد أن تصنع بنا بعد هذا؟ فأجابه قائلاً: أريد أن أقتل القرد الأعرج الأعور المشؤوم، وأجعلك قردي بدلاً منه.

قال له القرد: ما دمت اخترتني فاعمل بما أشير عليك به، وهو أن تطلق سبيلنا لنذهب حيث نشاء، ثم تذهب أنت إلى نهر دجلة فترمي فيه شبكتك، وستجد فيها حينما تسحبها من الماء سمكة كبيرة أكبر من الحوت الذي معك، فخذها وضعها في قفة وسط الحشائش الخضراء، ثم احمل القفة على كتفك وتوجه إلى سوق المدينة، وإذا ناداك أحد في الطريق فلا تجبه بشيء، بل امض في طريقك حتى تصل إلى سوق الصيارف، وهناك تجد في صدره صاحبي أبا السعادات جالساً في دكانه على وسادة، وتجد بين يديه صندوقين: أحدهما فيه ذهب، والآخر فيه فضة، وعنده مماليك وغلمان وعبيد كثيرون. اقترب منه وضع القفة بين يديه وقل له: {إني خرجت اليوم لأصطاد على عادتي، وطرحت شبكتي في الماء وفي نيتي أن يكون ما يخرج فيها من نصيبك، وأتيتُ إليكَ بالسمكة الكبيرة التي اصطدتها، ولم أشأ أن يراها أحد غيرك}.

وأضاف القرد: متى سمع منك أبو السعادات ذلك سيقول لك: آخذها منك بدينار، فقل له: يفتح الله، وكلما زادك ديناراً أو أكثر، لا تقبل بيعها، ثم قل له: لا أبيعها لك بوزنها ذهباً، لأني حالف ألا أبيعها إلا بكلمتين تقولهما بأعلى صوتك أمام كل من في السوق، فإذا قبل هذا الشرط، وسألك عن الكلمتين، فاطلب منه أن يعترف بقردك الأعرج الأعور. وعلى هذا أكون أنا قردك وأجيء لك بخمسة دنانير في الصباح وبخمسة دنانير في المساء، ويكون قردك الأعرج الأعور من نصيبه. فقال خليفة الصياد للقرد: سأعمل بمشورتك يا وجه الخير، وحمل شبكته ومضى بها إلى النهر.

5 دنانير

لما كانت الليلة العاشرة بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد أن خليفة الصياد لما ألقى شبكته في نهر دجلة ثم سحبها، وجد فيها سمكة كبيرة بالصفة التي ذكرها له قرد أبي السعادات اليهودي، فوضعها في قفة، وحملها على كتفه، ومضى بها إلى سوق بغداد وهو يغني بهذا الموال:

سلم أمورك إلى رب السما تسلم

وافعل جميلاً بطول عمرك ولا تندم

ولا تعاشر أرباب التهم تتهم

وصُن لسانَك ولا تشتم به تشتِم

ولم يزل سائراً حتى دخل المدينة، فصار الناس ينادونه ويستوقفونه ليروا ما يحمله من السمك، ولكنه لم يكلمهم وواصل السير حتى وصل إلى دكان أبي السعادات اليهودي شيخ الصيارف، فوضع القفة بين يديه، وما رأى اليهودي تلك السمكة الكبيرة العجيبة فيها حتى قال له: هل رآها أحد غيري؟ فأجابه: لم يرها أحد قبلك، وقد اصطدتها على بختك. فقال له أبو السعادات اليهودي: وحق التوراة إن هذه السمكة هي الهدية التي رأيت في منامي ليلة أمس أن العزيز بعث بها إليَّ. ثم قال لخليفة الصياد: هي عليَّ بدينار كامل.

وناوله الدينار، فلما قبضه ولم يكن وصل إلى يده ذهب قط، تملكه الفرح، وأخذ الدينار وانصرف مسرعاً كي يريه لأهل بيته ثم يوسع عليهم في النفقة منه، ولكنه ما لبث قليلاً حتى تذكر وصية القرد له، فرجع من فوره إلى أبي السعادات ورد إليه الدينار قائلاً: يفتح الله يا شيخ الصيارف. هل أنا مجنون حتى أبيع هذه السمكة بدينار؟

وكان أبو السعادات أمر أحد غلمانه بنقل السمكة إلى داره لإعدادها لغدائه، فلما رجع إليه خليفة الصياد ورد إليه الدينار، تعجَّب غاية العجب، ولكنه أراد أن يكرمه مكافأة له على تلك السمكة التي اعتقد أنها هدية من نبيه إليه، فأعطاه فوق الدينار الأول دينارين آخرين وقال له: هذه ثلاثة دنانير يا خليفة، فخذها حلالاً لك واصرف منها أنت وعيالك. فقال له خليفة الصياد: أي شيء هذه الدنانير الثلاثة إلى جانب سمكتي؟ ما أظن إلا أنك تمزح معي يا شيخ، فاشتد عجب اليهودي ولكنه لفرط فرحه بالسمكة، أعطاه دينارين آخرين، وقال له اذهب وانصرف، وإياك والطمع. لما صارت الدنانير الخمسة في يد خليفة الصياد الفقير، كاد عقله أن يطير، وخشي أن يردها إلى اليهودي فلا يحصل عليها بعد ذلك، وهي أكبر ثروة حصدها في حياته.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى حلقة الغد

خليفة يلقي الشبكة عشرات المرات من دون أن يعثر على شيء إلى أن تخرج قرداً أعرج أعوج يثير الصياد

أحد القرود يعمل لدى أبي السعادات الصيرفي اليهودي يوجه النصائح للصياد الفقير

ثلاثة قرود مربوطة في حبل على الشاطئ تثير غضب الصياد الجائع
back to top