محمد البدر الشهامة والنبل

نشر في 14-03-2017
آخر تحديث 14-03-2017 | 00:25
 عبدالله النيباري فقدت الكويت واحداً من أعز أبنائها وأكثرهم إخلاصاً وتفانياً في خدمة البلد والناس، وكان، رحمه الله، بقامته الطويلة المنتصبة وجسمه الذي يوحي لك بالصلابة وتصرفاته الشعبية، الأقرب إلى شخصية البحار، طبعاً لم يكن والده بحاراً، بل أسلافه من جهة والديه نواخذة وملاك سفن، والمقصود أن القيم التي يعكسها سلوكه الشخصي وتصرفاته كانت قيم ذلك الزمان، أمانة وشهامة وأنفة، وتعاطفاً وتواضعاً وأخوة بين النوخذة والبحارة، لا تفرقة ولا تمييز ولا تكبر، فالكل يكسب رزقه بجهده وعرق جبينه.

وسيرة محمد البدر كانت تعكس بسلوكه وتعامله مع الصغير قبل الكبير تلك القيم، قضى حياته العملية في المؤسسة العسكرية، لم يلتفت إلى منصب أو مكسب، همه خدمة وطنه من خلال المؤسسة، مواقفه البطولية إبان الغزو والاحتلال، وتمسكه بالإجراءات الصارمة في تنفيذ ما أوكل إليه بإزالة التعديات أظهرت صلابته وعدم انحيازه، رافضاً الخضوع للضغوط من أي مكان جاءت، مما أثار حملة مهاجميه من أصحاب المصالح والمنافع، لكنه لم يخضع.

علاقتي الشخصية بالمرحوم محمد البدر تمتد إلى أيام الطفولة، عندما كنا في الروضة بالمدرسة الأحمدية، وكنا نجلس في رحلة واحدة، وافترقنا ثم التقينا في الثانوي (المدرسة المباركية)، ثم مرحلة الدراسة الجامعية في القاهرة، مع اختلاف التخصص إلى علاقات الصداقة العائلية بين أسرتينا.

طوال هذه المراحل كان أبوبدر شخصية واحدة لم تتغير، كان صلباً في الأمور العامة، لكنه قلب حنون في العلاقات الشخصية وفي أسلوبه الرقيق. أذكر أنه اتصل بي في شأن صغير يتعلق بترشيح أحد الشباب لعضوية الجمعية التعاونية في منطقتنا، وقال بأسلوب رقيق: «بومحمد فلان مرشح نفسه لعضوية الجمعية التعاونية، وهو شخص طيب لكنه يفرفر بريحاته، يحتاج مساعدة منك»، مازالت تلك الكلمات ترن في ذاكرتي، تعبر بصدق عن القلب الحنون الرقيق في ذلك الشخص الذي أهم صفاته الصلابة في التمسك بموقف اقتنع به، والصرامة في التطبيق وتنفيذ ما أوكل إليه.

أبوبدر قائد عسكري شجاع قاد المقاومة إبان الغزو، لكنه كان يتميز بالحنكة والحكمة في التقدير السياسي، اتصل بي في اليوم التالي لاغتيال المرحوم حمد الجوعان، والتقينا وقال لي: «يا عبدالله أنا لدي مخاوف بأن عملية اغتيال حمد قد لا تكون فردية، وأنا أخشى (الكلام لمحمد) أن تكون جزءاً من مخطط لتصفية شخصيات سياسية، وأنا أقترح (كلام محمد) أن تتصل أنت بالسفيرين الأميركي والبريطاني وتقول لهما إنكم بعد تحرير الكويت أنتم المسؤولون عن إدارة البلد وأمنها، وإن إحنا لدينا مخاوف من وجود مخطط تصفيات سياسية بدايتها حمد الجوعان»، بعد كلام محمد اتصلت بالسفيرين الأميركي والبريطاني لطلب مقابلة، وحددت المواعيد وذهبت لمقابلتهما كل في سفارته، ونقلت لهما ما طلبه مني محمد البدر، الحمد لله أن الاغتيالات لم تتكرر، ولكن ذكر لي الدكتور أحمد الخطيب فيما بعد أنه جاءه تلفون من البحرين من مجهول يقوله له: «إحنا خلصنا واحد بس الدور جايكم».

إذن حدس محمد البدر ومخاوفه كانت في محلها حتى لو كانت من باب التحوط.

هكذا كان محمد البدر قائداً عسكرياً صلباً وإدارياً حاسماً وحكيماً وإنساناً حنوناً ورقيق القلب وعقلاً سياسياً دون ممارسة السياسة، لكنه يقرأ الأبعاد السياسية لكل حدث، رحم الله محمد البدر، وعزائي القلبي لشريكة دربه أم بدر، وأشقائه حمد ويوسف، وأبنائه فاطمة وهيفاء وعبدالعزيز وناصر.

back to top