التركيبة السكانية

نشر في 24-01-2017
آخر تحديث 24-01-2017 | 00:09
 السفير فيصل راشد الغيص أحيي جميع النواب الأفاضل المهتمين بمشكلة التركيبة السكانية، وخاصة الأخت صفاء الهاشم والإخوة خليل أبل وصالح عاشور وعبدالكريم الكندري الذي دعا إلى جلسة خاصة مستحقة لبحث هذا الموضوع.

إن المطالبة بمعالجة الاختلال الفاضح في التركيبة السكانية أمر مشروع لا يحقّ لأحد أن يستكثره على الشعب الكويتي، كما لا يحقّ لأحد أن يفسرها- عن حسن أو سوء قصد- على أنها تنمّ عن أية مشاعر سلبية تجاه الإخوة الوافدين، فلقد أكبرتُ أمانة صديق مصري حينما قال لي: "أنا شخصياً مستفيدٌ من فرصة العمل والعيش في الكويت، لكن شعوركم مسألة طبيعية ولو كنت كويتياً لطالبت بنفس الشيء". وقال إن قدوم مزيد من الوافدين لا يؤثر سلبا على المواطنين فقط بل كذلك على الوافدين الأقدم كحالته.

لا يُعقل أن نقبل بأن نكون مجرد أقلية في وطننا، وهل سيرضى منتقدونا بوضع مشابه في بلدانهم؟! فالحكيم هو من يتخيل نفسه في موقع الطرف الآخر كي يفهم موقفه بشكل أفضل وأكثر إنصافاً، وإذا استمرت سياسة الباب المفتوح الحالية- لجاليات معينة بشكل خاص- فإن نسبة الوافدين المقدرة بـ70% حاليا ستزداد تدريجياً حتى تتناقص نسبة المواطنين إلى 15%، ثم إلى 10% فما دون، كما هي الحال الآن في أحد البلدان الشقيقة، فتذوب الهوية الكويتية وتختفي.

إن الصراحة مطلوبة ويجب ألا تخلق حالة من سوء الفهم، فتقرير مستقبل كل بلد حقٌ لحكومة ذلك البلد ولشعبه، والمبدأ المعروف هو أن كل بلد لأبنائه بالدرجة الأولى، فتقع علينا مسؤولية تاريخية بأن نسلّم للأجيال القادمة بلدا ومجتمعاً متعافياً ومتجانساً، أغلبيته العظمى من أبنائه، أحفاد الأجبال التي كابدت الفقر وشظف العيش في عصر ما قبل النفط. وأستغرب ممن يلصقون صفة العنصرية بكل من ينادي بتصحيح التركيبة السكانية، بغرض التخويف والترهيب من الاقتراب من هذا الخط الأحمر، فهذه صفة مرفوضة أياً كان مصدرها، إذ إن العنصري هو من يرى أن جنسه متفوق على بقية الأجناس وأرقى وأنقى منها، وليس الذي يسعى إلى تصحيح وضع نشاز في وطنه.

إن من يطلق على الكويتيين هذه الصفة لا يدرك مع الأسف- أو أنه يدرك مع الأسف الشديد- أنه يساويهم بذلك بالنظام النازي في ألمانيا، وبنظام التفرقة العنصرية السابق في إفريقيا الجنوبية. إذا كان هدف تصحيح الاختلال في التركيبة السكانية بطريقة كريمة ضرباً من ضروب العنصرية فهل حكومة الكويت عنصرية؟ وهل الشعب الكويتي وممثلوه في مجلس الأمة كلهم عنصريون، بما أن تصحيح التركيبة السكانية هدف معلن للجميع؟ هذا مع أن حكومتنا الرشيدة تردده كمجرد شعار، وتطبق في الوقت نفسه سياسات تؤدي إلى عكسه تماماً.

وأتذكر هنا خروج مظاهرات حاشدة في بيروت قبل بضع سنوات ترفع شعار "لبنان للبنانيين" حينما زاد عدد الإخوة الفلسطينيين في لبنان، ولم يعترض على ذلك أحد، ولم يصفهم أحد بالعنصرية، فهل الكويت هي الطوفة الهبيطة؟

يشكر الإخوة الوافدون على الأعمال التي يؤدونها، وهم يستحقون منا كل الاحترام والمعاملة الكريمة، لكن ظروف بلادنا الاقتصادية لم تعد كالسابق، كما أن أعداد الوافدين- إضافة إلى أعداد المواطنين- أصبحت تزيد على طاقة البلاد الاستيعابية من جميع النواحي، وأية معاملة غير لائقة لهم أمر مرفوض بكل المقاييس والمعايير وليس من شيم الكويتيين الأصيلين، ولا أدري لماذا يتعمد البعض الربط بين تصحيح التركيبة السكانية والمعاملة غير اللائقة لإخواننا الوافدين سوى تشويه القضية الأصل ومحاربتها بطريق غير مباشرة، وإن معالجة الخلل في التركيبة السكانية يمكن ويجب أن تتم بطريقة حضارية راقية.

والمسألة الأخرى التي أثارت استغرابي هي الهجوم العنيف على عبارة "منع الاستيطان". إن مصطلح الاستيطان settlement ليس سلبيا من الناحية اللغوية، فهو يعني أن يجعل المرء من مكان ما وطناً له يقيم فيه بصفة دائمة أو شبه دائمة بغض النظر عما إذا اكتسب جنسيته أم لا، فيقال مثلا إن بني خالد هم أول من استوطن الكويت، ويوجد في الكويت عدد كبير من الإخوة الوافدين الذين يعيشون فيها منذ أربعين أو خمسين عاما، فهم إذاً توطنوا فيها أو استوطنوها وهذا بكل بساطة هو ما يهدف أعضاء البرلمان الكرام إلى منعه؛ لما يترتب عليه من نتائج ومطالبات محتملة. إن ما جعل عبارة الاستيطان تحمل مكنونات سلبية في ذهن المواطن العربي هو التصاقها ببعض حالات الاستيطان القسري وغير القانوني كالمستوطنات الإسرائيلية، وكذلك كعمليات الاستيطان الأوروبي سابقا في الأميركتين على حساب الهنود الحمر.

وإذا كانت المشكلة تكمن في هذا المصطلح بالذات فلا بأس من استبداله بعبارة "الإقامة الطويلة"- التي تمنحها عدة بلدان للأجانب- إلا إذا كان هناك من يريد أن نتوه في معترك التعابير وننسى صلب الموضوع.

back to top